أطلقت “شبكة السنة النبوية وعلومها” بياناً حيال الأوضاع الراهنة والأحداث المتوالية والفتن المتعاقبة التي تمر على البلاد العربية والإسلامية، عبارة عن نداء وتحذير من الشبكة من الوقوع ضحية الأفكار الهدامة والمضللة؛ مطالبة بضرورة التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والاعتصام بالجماعة، وعدم الخروج عنها.
وفيما يلي نص البيان:
“بيان شبكة السنة النبوية وعلومها
(نداء وتحذير)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فانطلاقاً من قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً}؛ فإن شبكة السنة النبوية وعلومها ترى من واجبها الشرعي استناداً إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عليه خلفاؤه الراشدون، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، ومن منطلق مسؤوليتها والأمانة الملقاة عليها وهي ترقب الأحداث المتوالية والفتن المتعاقبة التي تموج في بلادنا العربية والإسلامية؛ لتقف معها الوقفات الآتية:
الوقفة الأولى: أن نحمد الله تعالى ونشكره على ما أنعم علينا من نعم كثيرة وأجلها نعمة الدين والإيمان والتمسك بالوحيين، قال عليه الصلاة والسلام: “إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً؛ كتاب الله وسنة نبيه” رواه الحاكم وأصله في الصحيح.
قال ابن وهب: سمعت مالك بن أنس يقول: الزم ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أمران تركتهما لن تضلوا ما تمسكتم بهما؛ كتاب الله وسنة نبيه.
وهذا يُحَتّم علينا أن نتمسك بهما، ولا نحيد عنهما، كما قال صلى الله عليه وسلم: “… فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة”.
الوقفة الثانية: أنه كما يجب علينا أن نتمسك بالوحيين يجب علينا أن نحذر مما يخالفهما قولاً وفعلاً، وهذا من أوجب الواجبات وأهم المهمات؛ حتى لا تزِلّ قدم بعد ثبوتها، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} [سورة النساء: 65].
الوقفة الثالثة: وإذا كان يجب فقه العواصم من القواصم في كل زمان ومكان؛ ففي هذا الوقت وفي بلادنا العربية والإسلامية أوجب وألزم.
ومن أهم العواصم من القواصم التالي:
1- التمسك بعقيدتنا الصافية التي تأسست وقامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح.
وما حاد عنها مَن حاد إلا بغلو أو تقصير ناتج عن الإعراض عن هذا المنهج القويم المبني على الوسطية التي امتدحها الله تعالى بقوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} [البقرة: 143].
2- اجتناب الهوى؛ فإن اتباعه مركب ذميم يسير بصاحبه في ظلمات الفتن ويخذله في مَواطن المحن، ولهذا فهو من أبعد الناس عن الهداية، قال تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} [القصص: 50].
3- من أعظم العواصم: الاعتصام بالجماعة؛ فقد أمرنا ربنا جل وعلا بالاجتماع والائتلاف؛ فقال سبحانه وتعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً}، وقال سبحانه: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون}، كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى الإمام الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يد الله مع الجماعة”، وله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله لا يجمع أمتي -أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم- على ضلالة، ويد الله مع الجماعة”.
4- وفي المقابل؛ فإن من أعظم القواصم: الخروج عن الجماعة؛ ولهذا يجب على المسلم الحذر من كل ما يشذّ عن جماعة المسلمين الذين اجتمعوا على إمامهم؛ من الانتماء لحزب أو طائفة أو تجمع أو فرقة؛ مهما كانت مسمياتها، وإعطائها الولاءات التي تُفَرّق ما عليه الجماعة، قال سبحانه وتعالى: {وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} [الأنعام: 153].
وقد أخبر سبحانه أن الاجتماع رحمة، وأن الفُرقة هلاك وعذاب؛ فقال سبحانه: {ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}؛ فدلت الآية الكريمة على أن الاجتماع رحمة، وأن الفرقة عذاب وشقاء وتناحر وتخاصم وتقاتل وعداوات.
5- إن من أعظم المزالق الخطيرة التي وقعت فيها كثير من الفِرَق والأحزاب والجماعات التي تشق الصف وتخرج عن الجماعة، آفة “التكفير” للحكام، ثم التعدي لتكفير العلماء، ووصل الأمر ببعضهم لتكفير كل مَن ليس على منهجه أو طريقته أو حزبه، وهذا المنزلق أدى إلى منزلق عملي خطير، وهو التعدي على المسلمين بقتلهم واستباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم.
ولا شك أنها منطلقات خطيرة تؤدي إلى مفاسد وأضرار وعواقب وخيمة في الدنيا والآخرة، وفي العاجل والآجل.
6- ومن العواصم: حفظ الألسنة والأقلام والحذر من التعجل والانسياق خلف الشائعات، وإطلاق الأحكام دون مسوغ شرعي أو أدب مرعي، والحذر كل الحذر من الاستناد إلى إعلام مغرض، أو الاعتماد على ما تنقله وسائل التواصل بأنواعها، أو الركون إلى تحليل جاهل ممن ليس له دراية في العلم أو الفهم، وقد ذم الله قوماً؛ فقال: {ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} [الحج: 8].
7- ومن العواصم: اتباع عامة العلماء الربانيين الذين يسيرون على هدي كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح في التعامل مع الأزمات والفتن؛ فأهل العلم بمجموعهم هم أقرب الوسائل للعصمة من الزلل في وقت المدلهمات الفتن؛ فيُرجع إلى العلماء الأعلام، والمحققين الراسخين من أهل العلم.
قال الله تبارك وتعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً} [النساء: 83].
ولنحذر أشد الحذر من المصادر المجهولة التي تدّعي العلم وهي أبعد الناس عنه؛ فديننا واضح وعلماؤنا وأئمتنا واضحون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا الحاضر.
8- التحلي بالصبر والأناة والحلم وبخاصة في أوقات الفتن والشدائد، كما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، وعند الإشكال يُرجَع إلى أهل العلم المعتبرين، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
الوقفة الرابعة: وما سبق يُذَكّر جميع المسؤولين بمسؤولياتهم؛ وبخاصة مَن ولّاهم الله تعالى منبر مسؤولية أياً كانت هذه المسؤولية؛ وبالأخص أهل العلم والفكر والإعلام، بالقيام بمسؤولياتهم من خلال استشعار عظمة المسؤولية.
الوقفة الخامسة: ونخصّ بها أبناءنا وبناتنا في بلادنا المملكة العربية السعودية؛ تلك البلاد المباركة لتذكيرهم وأنفسنا بما يلي:
1- أن الله تعالى خص بلادنا بالحرمين الشريفين وبوجود قبلة المسلمين، وهذا كما نتشرف به، ونحمد الله عليه؛ إلا أن يوجِب علينا مسؤولية عظمى تجاه القيام بحقوقها، ومن أهمها أن نتمثل ما يمثله الحرمان من هذا الدين؛ فنكون الصورة الصادقة لها بأقوالنا وأعمالنا.
2- أننا في بلاد قامت أنظمتها على الشريعة الإسلامية ابتداء بالنظام الأساسي للحكم وما يتفرع عنه من أنظمة أخرى ويحكم قادتها هذه الشريعة.
3- أننا في بلاد أنعم الله تعالى عليها بوجود كثير من العلماء الربانيين -نحسبهم كذلك- على منهاج أهل السنة والجماعة؛ فَلِمَ البحث عن مصادر مجهولة؟ ولِمَ العزوف عنهم إلى غير المعروفين؟ والى أحداث الأسنان من طلبة العلم المبتدئين ونحوهم.
إن مما يجب أن نعض عليه بالنواجذ هو الصدور عن هؤلاء العلماء الكبار، والالتزام بمنهجهم المبنيّ على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما فهموه من المأثور من كلام السلف الصالح.
ولقد علّمتنا التجارب كما علّمنا القرآن والسنة أن الإعراض عن منهجهم وفتاويهم يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه على الأفراد والمجتمعات.
4- إن مما أنعم الله علينا به؛ اجتماع كلمتنا على قيادتنا وعلمائنا، وهذه -وايم الله تعالى- من أكبر النعم؛ فلنحذر تمام الحذر من أن نسير وراء كل ناعق يريد خدشها أو شرخها، ومِن ذلك السير وراء مناهج الغلو أو التخريب أو الانحراف أو التحزب بأي مسمى أو دعوة.
5- أن مسؤوليتنا الوطنية تجاه وطننا ووحدتنا ومكتسباتنا عظيمة كما عظّمها الشرع، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: “فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا”.
6- أن لأعدائنا أساليب لشرخ مجتمعنا، وتبدأ بتكبير السلبيات، وتضخيم الأخطاء، ثم إيغار النفوس على بعضنا البعض، ثم على الحكام والعلماء؛ متجاهلين أو متناسين الصور الإيجابية الكثيرة؛ فلنحذر تمام الحذر من تلك الرسائل السلبية، ولنحمد الله تعالى على النعم ونحافظ عليها، ولنسعى لمعالجة الأخطاء، وإنكار المنكر بوسائله الشرعية وأساليبه الصحيحة.
7- أن للإصلاح والدعوة إلى الله تعالى منهج قويم موضح في القرآن الكريم وفي السنة النبوية القولية، وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العملية؛ فمن رام ذلك فليرجع إلى أهله وإلى مظانّه العلمية؛ حتى لا نكون أدوات يديرها الأعداء.
8- أن الجهاد في الإسلام مبدأ شرعي؛ ولكن ليُعلم أن له ضوابط وشروطاً يجب فقهها ومعرفتها، والتقيد بها؛ حتى لا نكون ضحية لمنظمات إرهابية وجماعات مجهولة تجعلنا وقوداً لتحقيق أهدافها.
وأخيراً؛ فإن “شبكة السنة النبوية وعلومها” توصي الجميع بتقوى الله عز وجل، والسير على ما سار عليه علماء الأمة الربانيين، والحذر من كل ما يؤثر في حالنا ومستقبلنا، ونسأل الله تعالى أن يُعيذنا من الفِتَن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، وأن يوفق ولاتنا وعلماءنا لما فيه خير البلاد والعباد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.