أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن.
وقال “المعيقلي” في خطبة الجمعة اليوم: إن معرفة الرب جل جلاله، بأسمائه وصفاته وأفعاله، هو لب الإيمان، وغاية دعوة الأنبياء والمرسلين، فالعبد إذا عرف ربه، أخلص في توحيده، واجتهد في طاعته، وابتعد عن مخالفة أمره، وزاد له تعظيمًا وإجلالًا، ومحبةً وإقبالًا، وتعلق قلبه برؤيته ولقائه، ومن أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه، ولله تسعة وتسعون اسمًا، من أحصاها دخل الجنة، ولقد أثنى الله تعالى على ذاته العلية، فوصف نفسه بالودود، فقال سبحانه: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ. ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ}، وقال جل جلاله على لسان نبيه شعيب عليه السلام: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
أضاف: المودة هي وصف زائد على مطلق المحبة، فالودود هو ذو المحبة الخالصة، والرب جل جلاله وتقدست أسماؤه يتودد إلى خلقه بصفاته الجليلة، وآلائه ونعمه العظيمة، وألطافه الخفية، فكل ما في الكون من آيات بينات، هي ود من الخالق ورحمة، وتفضل منه وإحسان ومنَّة، {وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، ومن كرمه سبحانه وجوده ورحمته، أن هدى عباده للإسلام، وأكمل لهم الدين، ونفى عنهم الحرج والمشقة، وأمرهم بذكره وشكره، ووعد من شكره بالمزيد، رغبة في صلاح عباده، ونيلهم خيره ورضاه، قال: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}، ومن تلقفته الشهوات والمنكرات، وأسرف على نفسه بالخطيئات، فالودود سبحانه يخاطبه بألين خطاب، وأجمل عتاب، فيقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم}.
وأردف خطيب الحرم المكي: الله عز وجل رب كريم، رحيم حليم، يعصونه خلقه فيدعوهم إلى بابه، ويخطئون فلا يمنعهم إحسانَه، بل لا يزال خيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، ويحلم عنهم ويسترهم، ويبسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، فإن تابوا إليه، فهو حبيبهم، لأنه سبحانه يحب التوابين، بل إن من مودته للتائبين، يفرح بتوبتهم وهو الغني عنهم، ويبين لهم سعة رحمته، والأسباب التي ينالون بها مغفرته، فيقول:{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
وتابع: الودود سبحانه، هو الواد لأوليائه، والمودود لهم، فاللهُ جَلّ جلالُه، يُحبُّ المؤمنين ويُحبُّونه، فمحبة المؤمنون لربهم، بتوحيده والإِيمَانِ بِهِ، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، ولا يزال العبد يسارع في مرضاة مولاه، حتى يفوز بالحب، ويظفر بالقرب، فإذا أحب الله عز وجل عبده، حببه إلى خلقه، فما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب الخلق إليه، مشيرًا إلى أن مودة الله تعالى لعبده المؤمن، لا تفارقه بعد وفاته، فإذا شخص البصر، وحشرج الصدر، بُشِّرَ المؤمن برضوان الله وكرامته، وبرحمته وجنته، وإذا وضع في قبره، فسح له فيه مد بصره، ويصبح قبره روضة من رياض الجنة.
وقال “المعيقلي“: الله تعالى يحب مقتضى أسمائه وصفاته، فالمؤمن الودود، محبوب عند الله عز وجل، وإن من التعبد باسم الله الودود، مودة الرجل لزوجته، ورفقه بها، ومودة المرأة لزوجها، وحسن عشرتها له، فخير النساء، من جمعت بين توددها لربها، باتباع مرضاته، وتوددها لزوجها، بتتبع محابِّهِ، وخير الرجال، من كان خيّرًا لأهله، ومن أسباب نشر المودة في المجتمعات، إفشاء السلام، والتسامح بين الناس، وحب الخير لهم، وإدخال السرور عليهم، والرفق بضعفائهم، ومساعدة فقيرهم.