أبدت المملكة العربية السعودية عددا من الملاحظات الجوهرية على خطة عمل الأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف, وذلك خلال المؤتمر الدولي لمنع التطرف العنيف المنعقد على مدى يومين في جنيف ويختتم أعماله اليوم.
وقال مندوب المملكة في الأمم المتحدة في جنيف السفير فيصل طراد في كلمة أمام المؤتمر: “إن الخطة توضح بأن مفهوم التطرف لا يقتصر على منطقة بعينها أو جنسية أو عقيدة، وهو ما وصفه بالأمر الجيد، منتقداً الخطة لأنها لا تناقش سوى إرهاب القاعدة أو داعش أو بوكوحرام, دون التعرض إلى الإرهاب في أنحاء أخرى من العالم مثل أوروبا وأمريكا ودول أمريكا اللاتينية, إضافة إلى إطلاق اسم الدولة الإسلامية على داعش في صلب الخطة, الأمر الذي يؤدي إلى ربط التطرف العنيف أو الإرهاب بالدين الإسلامي، وبالتالي تشويه صورة الإسلام، وهو بالتأكيد أمر غير مقبول من الجميع, ويفوت الفرصة لحماية ومعالجة شعوب أخرى تقع ضحية لهذا الإرهاب والعنف.
وأوضح السفير طراد أن جزم الخطة بأن نشر الديمقراطية والتعددية في المجتمعات والاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمساواة وتمكين المرأة، يمثل أفضل بديل ملموس للتطرف العنيف وأنجع استراتيجية تنزع عنه جاذبيته, مشيراً إلى أن هذا فيه إغفال لحقيقة وجود التطرف العنيف والإرهاب في الدول الغربية والمتقدمة والديمقراطية مثل جماعة “كلو كلوكس كلان” وجماعة “أوم شنريكيو”.
وتساءل كيف يمكن تفسير انضمام آلاف الشباب والأشخاص من الجنسين من هذه الدول الغربية والمتقدمة والديمقراطية لداعش، وقال: “يضاف إلى ذلك إغفال حقائق إضافية عن إهمال المسببات الرئيسية للتطرف العنيف، مثل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في فلسطين لحوالي 6 عقود، وعدم حل النزاعات المسلحة، ودعم بعض الحكومات للمليشيات المسلحة القائمة على أساس عرقي، والفقر, واستمرار الحرمان الاقتصادي، والتهميش والعزلة ضد الأفراد بسب دينهم ومعتقدهم في المجتمعات الديمقراطية، وإطلاق العنان للحريات التي تتجاوز حدود المسؤولية بإهانة الرسل والأديان والمعتقدات”.
وعرض السفير فيصل طراد تجربة المملكة العربية السعودية الثرية والعميقة في منع التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب، وجهودها الناجحة المبذولة على المستوى الدولي والإقليمي ومنها، الإسهام في إنشاء مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب في نيويورك وتمويل المملكة له بمبلغ 100 مليون دولار للعشرة سنوات القادمة, وإنشاء مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا بالتعاون مع كل من النمسا وأسبانيا, وإنشاء المكتب العربي لمكافحة الإرهاب والتطرف ومقره الرياض, وإسهام المملكة عبر العضوية في مجموعة عمل مكافحة التطرف العنيف (سي في إيه) في إطلاق مذكرة روما الخاصة بالممارسات الجيدة لإعادة تأهيل ودمج المجرمين المتطرفين المستخدمين للعنف, واشتراك المملكة ودعمها للتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب, وإنشاء التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب من 35 دولة عربية وإسلامية واستضافة مقره في الرياض.
وبين أنه على المستوى المحلي جرى وضع استراتيجية شامله لمكافحة التطرف تجمع بين القوة الناعمة (مواجهة الفكر بالفكر على جميع الأصعدة والساحات)، والقوة الخشنة (المواجهات العسكرية والعقوبات)، وذلك من خلال تنبي نظرية 3 ف (فتيان ساخطين ومنظمين + أموال + فكر متطرف = إرهاب)، لمكافحة الإرهاب.
واستعرض السفير طراد في كلمته أمام المؤتمر جهود المملكة عبر مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الذي جرى إنشاؤه عام 2005م, ويعنى بإعادة التأهيل الفكري للأشخاص المتورطين في الجرائم الإرهابية بالمملكة وفق طرق منهجية متخصصة تستند إلى القيم الحقيقة في الإسلام، والمعارف والعلوم الأخرى ذات العلاقة التي تساعدهم على فهم الأمور على وجهتها الصحيحة، وليس كما تروج له التنظيمات الإرهابية في أيديولوجياتها الفاسدة، مشيراً إلى أن أهم أهدافه الاستراتيجية تتمثل في تعزيز فرص الاندماج للمفرج عنهم في قضايا الإرهاب، وبناء المعرفة بظاهرتي التطرف والإرهاب، وإيجاد الممارسات الفضلى في المعالجة الفكرية وإعادة الدمج.
وأفاد أن استراتيجية عمل المركز تقوم على ثلاثة برامج رئيسة هي، برنامج المناصحة وهو مسار علاجي ووقائي ينفذ داخل السجون وخارجها، وبرنامج التأهيل وهو مجموعة من البرامج تقام خارج السجن كمرحلة وسطية ما بين السجن والمجتمع، وبرنامج الرعاية اللاحقة ويأتي ما بعد الإفراج عن السجين.
وأكد السفير فيصل طراد أن المملكة ترى أنه للقضاء على الأسباب الرئيسة للتطرف يجب أن يأخذ في الاعتبار بعض النقاط الوقائية مثل التصدي للتنظيمات الإرهابية (فكرياً) في المساحات التي تنشط فيها، ومن أهمها العالم الافتراضي وبالذات وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت أكبر وسائل تستغلها التنظيمات الإرهابية في التجنيد والتحريض والدعاية, ويتطلب ذلك سن تشريعات دولية تحرم هؤلاء من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في أنشطتهم الإرهابية بأشكالها كافة، سواء في التجنيد أو التحريض أو الدعاية أو التأييد أو التهديد بأي لغة كانت, وبناء تشريعات وقوانين عقابية للجرائم الإرهابية تتناسب وحجم الضرر الناجم عنها مادياً ومعنوياً وفقا لما يناسب كل دولة.