وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كلمة لأعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى وفيما يلي نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، القائل في كتابة العزيز ( وشاورهم في الأمر )، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
بسم الله وعلى بركة الله وبعونه وتوفيقه نفتتح أعمال السنة الأولى من الدورة السابعة لمجلس الشورى، سائلين الله العزيز القدير أن يوفقنا جميعا لخدمة الدين ثم الوطن والمواطن .
أيها الإخوة والأخوات :
إن هذه المناسبة التي تجمعنا اليوم، وقد مضى أربعة وعشرون عاماً على هذا المجلس في تكوينه الحديث، لتؤكد مضي هذه الدولة في الأخذ بهذه الممارسة الشورية التي بدأها جلالة المؤسس الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ امتثالاً لقول الله عز وجل (وأمرهم شورى بينهم )، وعلى هذا المنهج المبارك سارت هذه البلاد وتبنت الشورى نهجاً لإدارة شؤون الدولة، وإنه لمن دواعي سروري في هذا اللقاء السنوي المتجدد أن أعرض أهم ما تم إنجازه على الصعيد الداخلي من مكتسبات تنموية وأمنية، وما تبنته الدولة من سياسات ومواقف خارجية كان لها الأثر الملموس في الحفاظ على المصلحة الوطنية وتعزيز الأمن والسلام والاستقرار على الصعيدين الإقليمي والدولي .
ولقد تبوأت المملكة العربية السعودية ـ ولله الحمد ـ مكانة اقتصادية عالية بين دول العالم، وسجلت حضوراً قوياً على الساحة الدولية الاقتصادية فأصبحت ضمن مجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين دولة اقتصادية، وتشهد المملكة ـ بفضل الله ـ نهضة اقتصادية واجتماعية هي نتاج للخطط التنموية الطموحة التي استطاعت أن تحقق أهدافاً كثيرة، ومكتسبات عديدة، والتوجه الآن يسير نحو التحول إلى تنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد كلية على النفط سعياً لرسم مستقبل واعد للوطن، وذلك من أجل استمرار وتسريع وتيرة النهضة التنموية الشاملة في جميع القطاعات بالاستفادة من المقومات الاقتصادية والفرص الاستثمارية الواعدة في المملكة، ومن أجل ذلك تبنينا ” رؤية المملكة 2030 ” التي تعكس قوة ومتانة الاقتصاد السعودي وفق رؤية إصلاحية جديدة من شأنها الانتقال بالمملكة إلى آفاق أوسع وأشمل لتكون قادرة ـ بإذن الله تعالى ـ على مواجهة التحديات وتعزيز موقعها في الاقتصاد العالمي، وذلك من خلال تنويع مصادر الدخل واستغلال الطاقات والثروات المتوافرة، والإمكانات المختلفة المتاحة لتوفير الحياة الكريمة للمواطنين.
إن هذه الرؤية شملت خططاً واسعة وبرامج اقتصادية واجتماعية تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل؛ ويأتي ضمن أولوياتها تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشفافية والنزاهة، ورفع كفاءة الإنفاق من أجل رفع جودة الخدمات المقدمة بما يحقق الرفاهية للمواطن .
كما تستهدف هذه الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية، ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والانتقال إلى مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن، وزيادة الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل.
واستهدفت هذه الرؤية عدة قطاعات مهمة، كقطاع الصحة الذي بذلت الدولة خلال العقود الماضية جهوداً كبيرة لتطويره، وتحقيق الاستفادة المثلى من مدننا الطبية ومستشفياتنا ومراكزنا الطبية في تسحين جودة الخدمات الصحية بشقيها الوقائي والعلاجي، وتقديمها من خلال شركات حكومية تمهيداً لتخصيصها، كما سنعمل على توسيع قاعدة المستفيدين من نظام التأمين الصحي، وفي قطاع التعليم سيستمر ـ بإذن الله ـ الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد أبنائنا وبناتنا بالمعارف والمهارات اللازمة لمتطلبات التنمية والحصول على فرص التوظيف ليحصلوا على التعليم الجيد وفق خيارات متنوعة، وسيكون تركيزنا أكبر على مراحل التعليم المبكر، وعلى تأهيل المعلمين والقيادات التربوية وتدريبهم وتطوير المناهج الدراسية، كما سنعزز الجهود في مواءمة مخرجات المنظومة التعليمية مع احتياجات سوق العمل.
وتحقيقاً لهذه الرؤية تمت إعادة هيكلة بعض الوزارات والأجهزة والمؤسسات والهيئات العامة بما يتوافق مع متطلبات هذه المرحلة، ويحقق التطلعات في ممارسة أجهزة الدولة لمهامها واختصاصاتها على أكمل وجه، وبما يرتقي بمستوى الخدمات المقدمة للمواطن والمقيم وصولاً إلى مستقبل زاهر وتنمية مستدامة – بإذن الله تعالى-.
أيها الإخوة والأخوات :
لا يخفى عليكم ما يمر بالعالم من تقلبات اقتصادية شديدة عانت منها معظم الدول ، وأدت إلى ضعف بالنمو وانخفاض في أسعار النفط ، مما أثر على بلادنا ، وقد سعت الدولة إلى التعامل مع هذه المتغيرات بما لا يؤثر على ما تتطلع إلى تحقيقه من أهداف ، وذلك من خلال اتخاذ إجراءات بعضها مؤلمة مرحلياً ، ورغم ذلك حافظ اقتصادنا – بفضل الله – على متانته وقوته وقد وجهنا بعدة إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، منها رفع كفاءة الإنفاق الرأسمالي ، ورفع كفاءة الإنفاق التشغيلي في الدولة ، والعمل على الاستفادة المثلى من الإيرادات وكذلك اتخاذ مجموعة من السياسات والإجراءات الرامية إلى تحقيق إصلاحات هيكلية واسعة في الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على البترول وإعطاء الأولوية للاستثمار في المشاريع والبرامج التنموية التي تخدم المواطن بشكل مباشر وذلك من أجل تقوية وضع المالية العامة وتعزيز استدامتها ومواصلة اعتماد المشاريع التنموية والخدمية الضرورية للنمو الاقتصادي بما يسهم في تفعيل دور القطاع الخاص وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي ، ومن جانب آخر تبذل المملكة جهوداً متواصلة لتحقيق الاستقرار في سوق النفط من خلال التعاون مع الدول المنتجة داخل وخارج الأوبك ولقد مر على بلادنا خلال العقود الثلاثة الماضية ظروف مماثلة اضطرت فيها الدولة لتقليص نفقاتها، واستطاعت بحمد الله تجاوز تلك الظروف باقتصاد قوي ونمو متزايد مستمر.
أيها الإخوة والأخوات :
إن ما نعيشه اليوم من إنجازات تنموية ما هو إلا امتداد للنهج الذي أرساه المؤسس الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وسار على إثره أبناؤه البررة – رحمهم الله- وفق منهج مستمد من الشريعة الإسلامية ، وقائم على مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص ، وحماية حقوق الإنسان.
وإننا على ثقة في المواطن السعودي وجديته، وهي ثقة لا حدود لها، ونعقد عليه الآمال الكبيرة في بناء وطنه بالعمل المخلص الجاد ،والشعور بالمسؤولية الوطنيه ، وهذا ما نعرفه عن مواطنينا ونأمله منهم ،ونحن بعون الله ثم بمساندة أبنائنا المواطنين ماضون في مواجهة المخاطر والتحديات ،وتطوير بلادنا ورقيها بما يتفق مع قيم الإسلام وتعاليمه السامية .
أيها الإخوة والأخوات :
إن دولتكم دولة الإسلام ، الدين القويم الذي نزل على رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، دين الوسطية والتسامح نعمل به، ونسعى لتطبيقه على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده رضي الله عنهم، فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى، وسوف نواجه كل من يدعو إلى التطرف والغلو امتثالاً لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) وبنفس القدر سوف نواجه كل من يدعو إلى التفريط بالدين، وإن المملكة ماضية في مواجهة ظاهرة الإرهاب بكل قوة وحزم، وتتطلع إلى تكاتف جهود دول العالم لمحاربته والقضاء عليه باعتباره آفة عالمية، فلقد سعى الإرهابيون إلى زعزعة الأمن والاستقرار في معقل من أهم معاقل الإسلام وفي أطهر البقاع وجوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الصدد فإن تطبيق شرع الله ، والتعاون بين الشعب والحكومة، ويقظة الأجهزة الأمنية وشجاعة منسوبيها، كل ذلك بعد توفيق الله تعالى سوف يحول دون تحقيق هؤلاء المجرمين مقاصدهم وأهدافهم، ونحن عازمون وبكل حزم على التصدي للإرهاب وأخطاره، ولن نتساهل في تطبيق الأنظمة على كل من تسول له نفسه العبث بأمن ومقدرات بلادنا الغالية .
وانطلاقا من أحكام اتفاقية منظمة التعاون الإسلامي لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، والقضاء على أهدافه ومسبباته، وأداء لواجب حماية الأمة من شرور الجماعات والتنظيمات الإرهابية المسلحة، أياً كان مذهبها وتسميتها، التي تعيث في الأرض قتلاً وفساداً، وتهدف إلى ترويع الآمنين، فقد تم تشكيل تحالف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب بمبادرة من المملكة، وذلك لتوحيد وتنسيق ودعم الجهود الإسلامية في مكافحة الإرهاب .
أيها الإخوة والأخوات :
في مجال السياسة الخارجية سنستمر بالأخذ بنهج التعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق السلام العالمي ، وتعزيز التفاعل مع الشعوب لترسيخ قيم التسامح والتعايش المشترك ، ونرى أن خيار الحل السياسي للأزمات الدولية هو الأمثل لتحقيق تطلعات الشعوب نحو السلام ،وبما يفسح المجال لتحقيق التنمية .
والجميع يدرك أن الدولة السعودية الأولى قامت منذ ما يقارب الثلاثمائة عام ،والدولة السعودية الثالثة منذ قرابة المائة عام ، ومرت عليها ظروف صعبة وتهديدات كثيرة تخرج منها دائماً بحمد الله أكثر صلابة وأقوى إرادة بتوفيق الله وعونه ثم بعزم رجالها وإراداتهم الصلبة ، ولعل الظروف التي أحاطت بالمملكة وشقيقاتها دول الخليج في العقود القريبة الماضية خير مثال على ذلك ،فقد استمرت فيها الحياة والنمو الاقتصادي على طبيعته ،وهذه الظروف التي نمر بها حالياً ليست أصعب مما سبق وسنتجاوزها إلى مستقبل أفضل وغد مشرق ـ بإذن الله ـ أقول ذلك وكلي ثقة بالله ثم بأبناء هذا الوطن ،ولن نسمح لكائن من كان من التنظيمات الإرهابية أو من يقف وراءها أن يستغل أبناء شعبنا لتحقيق أهداف مشبوهة في بلادنا أو في العالمين العربي والإسلامي .
أيها الإخوة والأخوات :
إن من أولويات سياسة المملكة ومبادئها السعي لإيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية، ومطالبتها الدائمة للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف الاعتداءات والممارسات الإسرائيلية العدوانية والمتكررة ضد الشعب الفلسطيني، وستواصل المملكة جهودها دعماً لهذه القضية من أجل إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وإعادة الحقوق للشعب الفلسطيني الشقيق.
ولا يخفى ما تمر به منطقتنا من تعدد الصراعات والأزمات، مما أوجد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار وزيادة المخاطر، الأمر الذي دعا حكومتكم إلى أن تبذل أقصى جهودها على الساحتين الإقليمية والدولية، من خلال الحوار والتشاور، من أجل حل تلك الصراعات والأزمات بالوسائل السلمية ورغم ما تمر به المنطقة من مآس وقتل وتهجير إلا أنني متفائل بغد أفضل – إن شاء الله – وبالنسبة لليمن الشقيق فنحن في المملكة العربية السعودية نرى أن أمن اليمن الجار العزيز من أمن المملكة، ولن نقبل بأي تدخل في شؤونه الداخلية، أو ما يؤثر على الشرعية فيه، أو يجعله مقراً أو ممراً لأي دول أو جهات تستهدف أمن المملكة والمنطقة والنيل من استقرارها، وموقف المملكة من الأزمة اليمنية هو المطالبة بحل سياسي وفق المرجعيات الثلاث وهي (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ، ومخرجات مؤتمر الحوار اليمني الشامل، وقرار مجلس الأمن رقم 2216) ، ولا نزال نأمل بأن تحقق الجهود الدولية من خلال المبعوث الأممي نتائج إيجابية تنهي معاناة الشعب اليمني، وتحقق الأمن والاستقرار في اليمن الشقيق، وفي هذا السياق نعبر عن تنديدنا واستنكارنا لمحاولة الانقلابيين الحوثيين استهداف الأماكن المقدسة ، والذي لاقى شجباً واستنكاراً عالميين لما في هذه الخطوات الإجرامية من استفزاز لمشاعر المسلمين في أنحاء العالم كافة.
أيها الأخوة والأخوات :
سعت المملكة وما زالت تسعى لمد يد العون والمساعدة الإنسانية للدول العربية والإسلامية والصديقة للإسهام في التخفيف من معاناتها ، جراء الكوارث الطبيعية والصراعات، فهي لا تتوانى عن تقديم مساعداتها الإنسانية الداعمة للمتضررين شعوراً منها بالواجب وإعمالاً لمبادئ الدين الحنيف ، وقد سجلت المملكة أولوية بمبادراتها المستمرة في المساعدات والأعمال الإنسانية على مستوى العالم.
وفي هذا السياق وفي ظل ما يجري في الجمهورية اليمنية الشقيقة بادرت المملكة ولا زالت تقدم المساعدات تباعاً للأشقاء في اليمن ، فيما قدمت الحملة السعودية لإغاثة النازحين السوريين الكثير من المساعدات الإنسانية للأشقاء المتضررين من وطأة الحروب وما تزال هذه المساعدات تتواصل لهذا الشعب المنكوب.
أيها الأخوة والأخوات أعضاء مجلس الشورى:
إننا إذ نقدر ما يقوم به مجلس الشورى من جهود متميزة في إطار مسؤولياته ، فإننا نقدر كذلك مساهمته في بيان حقيقة مواقف المملكة تجاه مختلف القضايا من خلال إجراء الحوارات واللقاءات المتعددة مع البرلمانات الدولية المختلفة وفي الاتحادات والمنتديات البرلمانية الإقليمية والدولية، ومجلسكم الموقر عليه مسؤوليات عظيمة تجاه الوطن والمواطنين، وإنني أطالبكم جميعاً أن تضعوا مصالح الوطن والمواطنين نصب أعينكم دائماً، وإبداء المرئيات حيال ما تتضمنه تقارير الحكومة المعروضة على المجلس ، والتشاور مع المسؤولين، وعلى المسؤولين في الجهات كافة التعاون مع المجلس، وتزويده بما يحتاجه من معلومات متمنياً لكم التوفيق في عملكم الذي نعقد عليه آمالاً كبيرة ونحن على يقين بأنكم إن شاء الله – أهل لذلك .
في الختام ، أسأل المولى القدير لكم العون والتوفيق في دورتكم الجديدة ، وأدعو الله العلي العظيم أن يحفظ بلادنا وأمتنا من كل مكروه ، وأن يديم علينا نعمه الظاهرة والباطنة ويوفقنا لما يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .