يعاني بعض المسؤولين من حساسية مفرطة إزاء التعاطي مع الإعلاميين، وتتزايد هذه الحساسية كلما حرص الإعلامي على ممارسة عمله بإخلاص وأمانة وجرأة مسؤولة، كي ينأى بنفسه عن التدثر بعباءة المسؤول، وأن لا تكون تحركاته وفق رغبات وإملاءات المسؤول.
لقد استوقفني خبر طلب الشرطة التحقيق مع صحفيين بتهمة نشر خبر يفيد بنقل أحد المسؤولين، وهو ما نُشر هنا في صحيفة الوئام قبل أيام.. هذا التحقيق الذي أثار استغرابي ودهشتي جعلني أطرح عدة تساؤلات قد يشاطرني فيها كل من يلفت نظره هذا الخبر أو مَن يمارس هذه المهنة، لاسيما وأن الخبر لم يكن إشاعة، فالمسؤول تم نقله بالفعل في نفس اليوم الذي نُشر فيه الخبر، لكن الحيرة تملكتني حول الأسباب الحقيقية التي حولت الصحافيين إلى جناة وحولت خبراً بسيطاً إلى جريمة خطيرة، وقفزت إلى ذهني تساؤلات حول دوافع إحالة الصحافي للتحقيق ومدى علاقتها بنشره للخبر دون علم المسؤول الذي ينظر إلى نفسه بصفته الآمر الناهي، وهل السبب يكمن في أن المسؤول لا يريد أن يعلم أحد بخبر نقله من منصبه بهذه الطريقة كي لا يُتهم بالتقصير في عمله؟ أم أنه تفاجأ بقرار النقل لدرجة أن نرجسيته ورغبته في الانتصار لنفسه جعلته ينحرف عن دوره كمسؤول؟ وكيف كانت ستكون ردة فعله لو كان القرار بالإعفاء وليس النقل؟ بل كيف ستكون ردة الفعل لو أن هذا الصحافي تناول هذا المسؤول بالنقد بسبب تقصيره وإهماله في عمله؟ عندها ستكون العاقبة أشد في نظري من منطلق تعامل هذا المسئول مع خبر نقله وربما لن يكتفي المسؤول حينها بإخضاع الصحافي للتحقيق، بل سيحرص المسؤول على أن ينال هذا الصحافي عقوبة رادعة ليكون عبرة لأمثاله!
قد أقف في صف المسؤول وأبرّر له ذلك إذا كان المسئول لا يعلم عما يصدر من قرارات باسمه فيستغل مساعدوه ومن حوله اسمه لتصفية حسابات شخصية لكن هذه التساؤلات ستحاصرني -بغض النظر عن مبرّرات هذا المسؤول- عندما يحضر الصحافي إلى الشرطة التي تتعامل يومياً بشكل جدي مع مئات القضايا، وستخلق تساؤلات أخرى حول مدى قدرة الشرطة على التعامل مع هذه المشكلة التي افتعلها المسؤول، فهل ستنظر الشرطة للأمر على أن فيه تجاوز للأنظمة والتعليمات؟ أم تعتبره اعتداءاً من صحفي على مسؤول؟ أم تعتبر نشر الخبر دون علم المسئول جناية؟ وماذا سيقول المحقق المغلوب على أمره وهو لا يفقه أبجديات التعامل مع هذه "الجريمة"؟ هل سيقول للصحفي لماذا نشرت خبر نقل المسؤول؟ وإن فعل فهل سيردفه بسؤال آخر قائلاً: ألا تعلم أن نشر خبر كهذا يعتبر جريمة يعاقب عليها النظام؟ وماذا سيكون الإجراء بعد ذلك؟ هل سيودع في السجن جرّاء هذه الجريمة؟ أم سيُطلب منه الاعتذار ويُكتفى بأخذ التعهد مشفوعاً بالتوبة عن نشر أخبار نقل المسؤولين؟!
لا أدافع هنا عن الصحافي بقدر ما أتساءل عن كيفية التعاطي مع المشكلة من قبل هذه الجهات التي وُضعت في هذا المأزق، فالصحافي بشر معرضٌ للخطأ وقد يخضع للتحقيق عندما ينشر خبراً فيه تجريح أو تشهير أو أي تجاوزات أخرى تتعدى الحدود المهنية الإعلامية وتخالف الأنظمة، وقد تحدث حالات يواجه فيها الصحافيون مضايقات من أحد المسؤولين بسبب نشر تجاوزاته أو مخالفاته أو سوء استغلاله للسلطة، لكن لم أسمع يوما أن إعلامياً خضع للتحقيق بتهمة نشر خبر يفيد بنقل أحد المسؤولين، فكم أُعفي ونُقل من الوزراء والمسؤولين دون أن نسمع أن أحداً منهم استغل سلطته ضد من نشر خبر إعفاءه أو نقله، وليت هذا المسؤول الذي ركّز جهده على ملاحقة الصحافيين وتجريمهم يأخذ العبرة من غيره ويستحضر دوره كمسؤول فقط في هذه اللحظة، ولست بحاجة إلى تذكيره بدور الإعلام في إبرازه وتلميعه، ولا يهمني أن يكون وعيه موازياً لتأهيله العلمي، لكن افتعاله للمعارك الوهمية سيجعله لا محالة يعيش في عزلة شبيهة بتلك التي جربتها الأنظمة الشمولية وجعلتها تعيش في حالة من الانغلاق والتخلف وغياب التواصل مع الأنظمة المحيطة بها.
إن من يريد تكميم الأفواه يتجاهل حقيقة ناصعة وهي أننا في دولة تحكمها أنظمة تحفظ للجميع حقوقهم وتنصف المواطن من المسئول بغض النظر عن مكانته، وقد كشف الواقع المؤلم للأسف أن بعض المسؤولين لديهم عقدة في التعامل مع الإعلام وتضخّمت هذه العقدة مع تزايد إصرارهم بأن المقاعد التي يتبوءونها حكرٌ عليهم ، واعتبار أن كل من يتناولهم بشيء من النقد يمثّل انتهاكاً وتعدياً سافراً، حيث دأب هذا المسؤول -ومن هم على شاكلته- على إخضاع الصحافيين لإملاءاته ورغباته متجاهلاًً أننا نعيش في عصر الحرية الإعلامية المسؤولة، وهو ما يؤكد عليه دائما كبار المسؤولين في الدولة من منطلق إيمانهم العميق بأهمية الإعلام ودوره في الإصلاح ونقل هموم ومشاكل المواطن، وهذا ما لمسته من أحد كبار المسؤولين وصُنّاع القرار في الدولة أثناء حديثي معه عن دور الإعلام في مكافحة الفساد المالي والإداري ومحاولة وضع العراقيل أمامه، فقال بالحرف الواحد: "باب الإصلاح فُتح ولن يغلقه أحد، والإعلام يجب أن يمارس دوره بمسؤولية مع جميع المسؤولين ولا حصانة لأحد في ذلك".
كما أن معالي وزير الثقافة والإعلام يحرص دائما على الوقوف إلى جانب الإعلام المسؤول والصادق الذي يؤدي دوره بمهنية وأمانة صحفية بعيداً عن التجريح أو التعريض أو التشهير، وهناك مواقف متعددة مع الصحافيين في هذا الصدد سأتناولها بالتفصيل والتحليل في مقالات لاحقة.
- 17/10/2024 تحت شعار ” تخدير آمن للجميع “مستشفى عفيف العام يحتفي باليوم العالمي للتخدير
- 14/10/2024 وزارة الإعلام تعلن عن النسخة الخامسة من جائزة التميُّز الإعلامي2024
- 07/10/2024 محافظ عفيف يدشّن حملة التطعيم ضد الإنفلونزا الموسمية
- 11/09/2024 محافظ عفيف يترأس جلسة المجلس المحلي الثانية
- 31/08/2024 تعليم الرياض تقرر إلغاء إدارات التعليم في المحافظات خلال 60 يومًا
- 01/08/2024 مستشفى عفيف يُدشن انطلاق البرامج التوعوية باليوم العالمي للالتهاب الكبدي 2024م
- 31/07/2024 الحقيل يوجه بمنح مستفيدي منتج “البناء الذاتي” و”أرض وقرض” مهلة تصل إلى 16 شهرًا إضافية لإكمال مراحل بناء منازلهم
- 19/07/2024 وزارة الصحة تؤكد استمرار عمل أنظمة المعلومات الصحية بكفاءة
- 19/07/2024 سدايا” تؤكد عدم تأثر أنظمتها والأنظمة الوطنية المستضافة لديها في المملكة من العطل التقني الذي ضرب معظم دول العالم اليوم
- 19/07/2024 استكمالاً لرحلة التحول في وزارة الصحة .. مديريات الشؤون الصحية بمناطق ومحافظات المملكة تصبح فروعاً لوزارة الصحة
المقالات > إعلامي في مركز الشرطة!
إعلامي في مركز الشرطة!
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.afifnp.com/?articles=%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b1%d9%83%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%b7%d8%a9
التعليقات 1
1 ping
13/02/2010 في 12:21 م[3] رابط التعليق
الكل استغرب من هذا التصرف
هناك بالفعل أعلاميين يتحرون الدقة ويضعون اخبار هم أمام الناس بمصداقية لكن يأتي من يحاول تشويش الأمر
لكن صدق من قال ( مايصح إلا الصحيح )
شكرا اخوي
(0)
(0)