مناقشة الهم العام حقٌّ مشاع للجميع من منطلق أن الأمر يعنيهم ويمس حياتهم سواء اليومية أو الوظيفية أو الدينية أو الاقتصادية، والتفكير الجمعي للمجتمع أياً كان هذا المجتمع، لا يمكن أن يكون صائباً وبدرجة كبيرة لأنه لا يرتكز على أساسيات علمية ومعرفية وخبرات ناتجة عن الممارسة الفعلية. من هنا نجد أن الغوغائية الفكرية سمة مصاحبة لهذا التفكير الجمعي، لأنها لا تحكمها ضوابط التأمل والتفكير والتمحيص ولا تحكمها الظروف المحيطة بهذا الهم العام .. لذلك نجد أن طرح أي مشكلة اجتماعية مهما كانت أهميتها بالنسبة للمجتمع، يتم التعاطي معها من خلال التفكير الجمعي والذي أشرنا إلى أنه تتحكم فيه الغوغائية الفكرية بنسبة كبيرة جداً، بل إن الجميع يناقشه وكأنه من أصحاب العلم والاختصاص مما يؤدي إلى تعطيل الحلول التي يتم طرحها من قِبل المختصين ... السؤال هنا لماذا لا نعطي أصحاب الاختصاص فرصتهم في الدراسة والتحليل والتقييم وإيجاد الحلول، من منطلق أنهم هم الأدرى والأعرف والأقدر على مواجهة تلك المشاكل الاجتماعية؟
عندما يتم التعاطي مع مشكلة ما ويتم طرح الحلول لها، نجد أن هناك من ينبري للتصدي لها بدون الأخذ بها ودراستها وتقييمها وعرضها على بساط المنافع والمضار، الشيء الملفت للنظر أن هؤلاء يقومون بالتصدي بدون أن يكونوا مؤهلين علمياً وثقافياً ومعرفياً وأيضا لم يكونوا مؤهلين اجتماعياً بمعنى أنهم ليسوا من أهل الحل والربط المجتمعي. وهم لتحقيق هدفهم يسعون إلى التأثير على التفكير الجمعي بدون أن يلموا باحتياجات بقية أطياف المجتمع نتيجة لعدم قدرتهم على ذلك، لأنهم يفتقدون إلى الوسائل التي تمكنهم من الاطلاع على تلك الاحتياجات.
من هنا نجد أن ترك مناقشة وتقرير الحلول لأي مشكلة اجتماعية مهما كانت، نجد أن ترك ذلك لأصحاب الاختصاص ليتولوا دراستها وتحليلها وإيجاد الحلول من جميع جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والدينية أمر مهم يصب في مصلحة المجتمع بعيداً عن المعطلات الاجتماعية التي يتم استخدامها من قبل التفكير الجمعي الذي تنقصه أدوات الحل الفعال.
ليست هذه دعوة لمصادرة الرأي للمجتمع، أو دعوة لتعطيل التفكير الجمعي عن التعاطي والتفكير والمناقشة والتفاعل مع الهم العام، لا، ولكنها دعوة إلى ترك الأمور لأصحابها وإعطاء كلٍّ مجاله حسب موقعه وحسب قدراته على العمل لما يتوفر لديه من أدوات للحل، وحتى لا يتم استخدام هذا التفكير الجمعي لتعطيل الحلول وتقييد قدرة أصحاب الاختصاص على العمل.
F_ekab@hotmail.com
التعليقات 1
1 ping
04/11/2010 في 9:04 ص[3] رابط التعليق
أحـسنت دكتور عـقاب بن عميــرة ..
دائمًـا التفكير الجمعي أو الجمـاعي الصادر من فئـة معيّـنة اعتادت على مواكبة الأمور
والمشكلات مهما كان نوعهـا أو صعـوبتها أمـر اعتدنا عليه ممّـا يُعطـّل مبدأ التعاون
والشـورى وأدبيات التخطيط الفـاعل قـبل اتخـاذ القــرار المُـهم ..
وهـذا بلا شـك خطـأ جسـيم يـؤدي إلى عرقـلة المصلحـة العـامة ويـسلب جوهر المثل المعروف
" الرجل المناسب في المكان المناسب " ويفضـي إلى عشـوائية ممتــدة لا تـرقى أن تكون
في عـصر المعـرفة والانطـلاق نحـو مجتمـع مـبدع..
كثـيرا ما نقــرأ أو نسمـع عـن قــرارات مصـيرية سـواء على مستوى الفـرد أو قـرارات تلامس
المجتمـع وتتصـل بـه وتـؤثـر فـيه ويتأثـر بهــا ؛ حيث نجـد أن مثل هذه القـرارات لـم تنتج
عـن تفكـير منطـقي أو إستراتيجيـات عـلمية أو دراسة شـاملة قـبل اتخـاذ القـرار ممّا يكون
سبـبـًا كـبيرًا فـي وجـود الغـوغائية الفكرية والسـير بـعـشوائية نحـو أهداف هُـلامية
لا تخـدم الفـرد ولا المجتمـع ولا الوطن بأكمـله ..
لو أنّ هـناك منظمـة أو هـيأة استشـارية أو مـركز للدراسات الفكـرية تتكـون من أعضاء
مؤهلين عـلميـًا وفكريـًا وقـادرين على مواجهة المشـكلات بالأسـلوب العلمي وتـُحـال
إليهـم جمـيع العـقـبات التـي تواجـه المجتمـع للمسـاهمة فـي حـلها بالطـرق الإبداعية
لأصـبح المجتمـع مجتمـعـًا معـرفيـًا يتحـدّى الوقـت ويتصـدّى للمشكلات قـبل حدوثها ..
شكرًا لك أخي الكـاتب الدكتور عقاب بن غازي بن عميـرة على هذا المقـال الفكـري الـذي
شخـّص الواقـع ونظــر بعـين مُتفحصـة لما ينتج عـن التفكير الجمعـي من سـلبيات ..
تقبل تقـديــــري واحتـرامـي ،،،،،
\
/
\
حمود الغنــّامي
(0)
(0)