قد تكون مظاهرات البحرين وعُمان إنذاراً مبكراً لدول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها عرّت كل الأكتاف ، ولابد من رؤية واقعية تنظر للأمور ليس في آنيتها الراهنة بل على أي أساس يقوم أمن هذه الدول، وما هو التفكير الحقيقي لإعادة النظر بالطروحات القديمة التي شملت العديد من المشاريع ولكنها أُعيقت بسبب حساسية كل دولة من الأخرى؟
الأمانة العامة للمجلس لا تختلف عن الجامعة العربية، إذ خلال الثلاثين عاماً من عمر المجلس لم تصل النتائج إلى تكامل اقتصادي وأمني وسياسي، دون التعرض لاستقلال كل دولة، ولعل ما يجري الآن يفتح العقول والآذان لسماع صوت الحقيقة بأن الأطماع في هذا الشريان الحيوي لا تتناقص، بل تتضاعف من خلال موازين القوة العسكرية مع إيران، وحالة اضطراب اليمن حتى إن المخاوف من مفاعل «بوشهر» النووي والذي لا يبعد إلا عدة كيلومترات عن حدود الكويت ربما يضعنا في كارثة بيئية لو حدث أن انفجر أو ضُرب أو تلاعبت إسرائيل بأجهزة الكمبيوتر التي تديره..
لا أعتقد أننا بحاجة إلى كتابة لائحة المطالب التي سبق أن طُرحت على المجالس الوزارية والقمم، وكيف أننا نسينا أحداث احتلال الكويت التي أعطتنا الفرص لأنْ نبني درع الجزيرة العسكري على أعلى المستويات، بل تركناه أمام سباق محموم لشراء الأسلحة دون تنسيقٍ أو أخذ الاعتبارات الأمنية أساساً نقوّم عليه قوتنا، والفرصة الآن متاحة لأنْ نعيد ترتيب الأولويات بشكل مُلحّ وعقلاني، ودون حساسيات أو عدم ثقة في بعضنا..
فالمطالب الشعبية حق مشروع، وأي تصرف سلبي تجاهها سيثير علينا الرأي العام العالمي، ومواطنونا يدركون مآل أي خطأ في التلاعب بالأمن، لكن أن نُدخل شبابنا دائرة العمل الواحد بحيث يتم التجنيد الإجباري، وتوسيع العمل العسكري بتقنيات العصر الحديث، وإلغاء الحواجز بين وزارات الدفاع والاستفادة من الطاقات البشرية والمادية الموجودة فإن ذلك لا يأتي أملاً فقط إذا أدركنا أننا في السفينة الواحدة..
ثم نأتي على التكامل الاقتصادي، فلا نرى أملاً في ربط هذه الدول بطرقٍ وسكك حديدية حديثة، أو ربطٍ كهربائي، أو استراتيجية تدخلنا مرحلة البناء المتعدد الأدوار في صناعاتنا ومستورداتنا وصادراتنا، وحتى العملية التعليمية والأمن، وفتح المجال لأبناء هذه الدول وتوحيد العملة وغيرها، تأتي التصريحات العديدة عنها، ولكنها في الواقع غير قابلة للتنفيذ، والآن نحن أمام زحمة أحداث في المنطقة العربية وصلت إلى كياناتنا، وتبقى اختباراً لنا بوضع منهجية حقيقية لعمل واحد، مدركين أن جيل اليوم لا يقبل الوصاية من آبائه لاختلاف الظروف والأعمار والتباعد العلمي، والوعي بحتمية التغيير والانتقال من سلفية الماضي إلى عصرنة الحاضر، وكل هذه التحديات ترسم أمامنا خطوطاً متعرجة، إذا لم نسلكها ونتجاوزها، سنقع في مطباتها، وحفرها..