ما أشبه اليوم بالأمس ، فقبل عامين قامت القوات الفرنسية بالتدخل العسكري الجوي السريع والمباغت في شمال دولة مالي بعد طلب من الرئيس المالي ، وذلك بعدما اتسعت رقعة استيلاء واستحواذ الجماعات المتطرفة على مساحات واسعة من الأراضي الشمالية المالية التي كانت تتجه للجنوب المالي حيث العاصمة والمصالح الفرنسية والأوروبية .
ألقت فرنسا على هذه العملية العسكرية اسم سِرفال وهو يعني" القط المتوحش " وبالرغم من وعورة التضاريس المالية والفقر والبدائية التي تعيشها هذه الدولة واختباء المسلحين والجماعات المتطرفة في مناطق يعرفونها جيدا وتحتاج لفهمها الطائرات الفرنسية المقاتلة ( ميراج ورافال ) إلا أن هذه العملية العسكرية أعلنت نجاحها في أقل من شهر ، حيث أوقفت إمتداد وتقدم هذه الجماعات المتجهة للجنوب مما جعلهم يضطرون بالعودة للخلف والتواري وانتهاج أسلوب حرب العصابات المعتمد على التفخيخ والتفجير والعمليات الانتحارية.
وهذا يقودنا إلى البحث عن أهم العوامل التي أدت إلى نجاح هذه العملية التي تشابه إلى حد كبير عملية عاصفة الحزم .
وفي الحقيقة أن عملية " القط المتوحش " حظيت بعوامل ساهمت في نجاحها ومن أهمها :
- دعم العملية بقرار من مجلس الأمن
- موافقة أغلب الدول المجاورة لمالي
- التأييد الأوروبي نظرًا للمصالح المشتركة
- الدعم اللوجستي الأمريكي ولو أنه جاء بعد حين
- إرسال ما يقارب ألفي جندي لحماية العاصمة وهو بمثابة دخول بري نوعي .
وبعد نجاح هذه العملية نالت فرنسا الكثير من المكاسب حيث زادت حظوتها التقديرية كسلاح حربي أوروبي قوي واستطاعت حماية مصالحها الإستراتيجية في الساحل الأفريقي والحفاظ على رعاياها في مالي إضافة إلى إرسال رسالة مبطنة لأمريكا ، وهو ما شجعها على إيقاف هذه العملية بعد قرابة عام ونصف من انطلاقها والإعلان فورا عن بداية عملية جديدة تتبعية تحل محلها حيث أسمتها بـ (برخان) لتشمل أكثر من دولة كموريتانا وتشاد والنيجر وذلك بهدف مطاردة هذه الجماعات المتطرفة وتتبعها والقضاء عليها .
أما اليوم الرئيس هادي يطلب من الرياض ودول الخليج التدخل لإيقاف الزحف الحوثي المتحالف مع قوات صالح في اليمن ، ثم تأتي الرياض في بغتة محملة بعتاد لعشرة دول ودعم لوجستي وتأييد دولي ، وبناء على التجربة الفرنسية نستطيع أن نقول أنّ أهم العوامل التي سوف تؤدي لنجاح عملية عاصفة الحزم هي ما يلي :
- الحجم الكبير للتحالف وقواته ( الحجم المادي والعسكري والمعنوي)
- لمصالح المشتركة للدول المستفيدة من مضيق باب المندب
- الدعم اللوجستي الأمريكي
- التأكيد المتكرر من قبل باكستان لدعم السعودية
- تأييد الجامعة العربية
- المقترح المصري لتشكيل قوة عسكرية عربية فهو يعطي تصور جيد لحجم العمل وتحالفه
- تفهم بعض الدول الكبرى لعمل عاصفة الحزم
-التجربة السعودية في حرب 2009م على الحدود اليمنية
أما المكاسب الإيجابية التي ستعود على دول التحالف فأهمها :
· بتر اليد الإيرانية في اليمن ، وصفعة سياسية لها
· استقرار اليمن السياسي
· الاطمئنان على بوابة المندب تجاريا وأمنيا
· رسالة لكل الجماعات والتنظيمات المتطرفة النائمة في دول التحالف
· رسالة لجماعات العراق والشام المتطرفة كداعش وغيرها
· الاستقواء الحميد لما بعد عملية التحالف والنصر
· التقارب العربي ? العربي ، والعربي - الخليجي
وعن أهم المكاسب التي ستعود على الرياض بوجه خاص فيمكن القول بأن الرياض ستحقق أعلى نجاح سياسي وعسكري بعد النجاحات التي حققها الملك فيصل رحمه الله ، وأن هذه الضربة العسكرية ستكشف عن حجم العمل والتفوق والذكاء السياسي للرياض ، كما سيعد هذا من أنجح التحالفات الدولية والعربية وسيكون بمثابة ( ضربة معلم ) وهذا بالطبع سيرفع من شأن الرياض سياسيا وعسكريا ، وستقدم من خلاله على وجه الخصوص رسالة للفرس مفادها بأن الرياض ستظل الحصن المنيع والسد العالي والرفيع للأمة العربية والإسلامية .
وبالرغم من صعوبة التنبؤ بالمدة الزمنية التي سوف تستغرقها عاصفة الحزم وذلك نظرا لأن محاربة الجماعات والعصابات في المناطق الوعرة والتضاريس الجبلية الممتدة تختلف عن الحروب التقليدية حيث لا يمكن القضاء على الجماعات المتطرفة إلا بتعطيل وتدمير أبرز قواها وتجفيف منابع الدعم وطرد وتشريد رموزها أو القضاء عليهم ، أي أن المدة ستطول إذا ما أصرّت دول التحالف على إرجاء الحوار حتى يتم تدمير أغلب نقاط القوة لجماعة الحوثي وصالح.
هذا ومن المعلوم أن لكل حرب فاتورة عاجلة أو آجلة ، لهذا قد أتناول في كتابة قادمة - بإذن الله - السلبيات التي قد تحدث لليمن والرياض ودول الجوار جراء هذا العمل التحالفي ، أو بمعنى آخر : ما هو ثمن علاج هذا التطرف ؟
يوسف العبيريد