اعتدنا على أن شهر رمضان الذي يجيء في الصيف يختلف في بعض تفاصيله عن شهر رمضان الذي يجيء في الشتاء.. ولكن الشهر الفضيل هذه المرة لن تغير بعض تفاصيله درجة حرارة الطقس، لأنه يجيء في منتصف الربيع العربي، هذا الربيع الأحمر الذي سقيت زهاره بدماء الأبرياء وحلقت الطيور فيه حول بيوت المنكوبة يقضي فيه ملايين الصائمين وقتهم وهم يفكرون بالأبناء الذين قتلوا والآباء الذين اختفوا في ظلمة المعتقلات.!
وبالأمس نشرت إيلاف تحقيقا عن تأثير شهر رمضان على الحركات الاحتجاجية التي تشهدها بعض الدول العربية، وتساءلت ما إذا كانت هذه الثورات الشعبية سوف تتأثر سلبا أم إيجابا بطبيعة الشهر الفضيل، بعض المشاركين في هذا التحقيق توقعوا أن تواجه الأجهزة الأمنية في هذه الدول مشكلة كبيرة بعد صلاة التراويح، حيث يمكن أن تخرج جموع المصلين في مظاهرات ليلية.. ومثل هذا السيناريو سوف يجعل كل الأيام جمعة ما يمكن أن يؤدي إلى خروج الأمر عن سيطرة قوى الأمن.
المسلسلات المثيرة لن تكون تلك المعروضة على شاشة التلفزيون، بل تلك التي تحدث يوميا في الشارع العربي، خصوصا وأن بعض هذه المسلسلات الدموية يبدو وكأنه بلا حلقة أخيرة مثلما هي الحال في سورية وليبيا واليمن، أما في مصر المحروسة فإن محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وأولاده سوف تسيطر على كل تفاصيل المشهد المصري في رمضان، خصوصا إذا صدقت الأنباء حول نقل هذه المحاكمة تلفزيونيا لتكون ثاني محاكمة لرئيس عربي مخلوع بعد محاكمة صدام حسين، مع الفارق الكبير بين محكمة تحيط بها دبابات الأمريكان ومحكمة تحيط بها هتافات الشعب الغاضب.
في رمضان سوف تتصاعد صرخات المعتقلين في الغرف المظلمة، ويدور الطاغية حول نفسه وهو لا يعرف ما إذا كان الدوي الذي سمعه لحظة الإفطار صادرا عن مدفع رمضان أم عن كتيبة منشقة عن الجيش، سيقوم بدور (المسحراتي) رجال الأمن السري، وسيترقب المصلون كل كلمة يمكن أن تخرج من شفاه خطيب الجمعة، وستطغى طبخات القوى الدولية على طبخات ربات البيوت اللواتي يقمن بإعداد موائد رمضان. كل ما يحدث في العالم العربي اليوم هو أمر استثنائي تاريخي سوف يرويه الأجداد للأحفاد، وسوف تتوقف عنده صفحات التاريخ طويلا، سيتعب الحكواتي كثيرا وهو يحاول أن يلاحق بخياله الشعبي البسيط واقعا أكثر غرابة من الخيال.. ستمر أيام رمضان طويلة على الطغاة وعلى الشعب المقهور الذي ضحى بكل شيء من أجل أن يرى هلال العيد.!