كنت اقرأ كتاباً في إدارة المشروعات الصغيرة قبل عقد من الزمان، وكان مما ورد من توصيات في الكتاب المقرر لحسن اختيار موقع المشروع الصغير؛ عدم اختيار موقع تسكنه الأشباح، كنت اقرأ هذه الفكرة بمستوى قليل من القناعة؛ بالرغم من معرفتي برمزية هذا الطرح الذي يشير إلى مبدأ متداول في أدبيات الريادة وهو" عدم اختيار موقع للمشروع شهد تاريخه فشلاً مكرراً"، ويبدو أني كنت أحتاج إلى ما يعزز قناعتي تجاه الاستمرار في تطبيق هذه الفكرة، لأنّ عقلي الباطني كان يحتضن فكرة المغامرة وملازمتها للريادي في كافة الظروف. كنت أعتقد بأن الرياديُّ يستطيع تحويل الفشل المتكرر إلى نجاح متكرر، وذلك استناداً إلى التعريف الإجرائي للريادي وروح المصطلح كذلك؛ أعني مصطلح الريادي.
بعد مرور سبع سنوات تقريباً؛ قدّر الله تعالى أن أسكن في بيت يقع على شارع تجاري، فوجدت الموقع المسكون أخيراً، كان قريباً من منزلي، حيث شهد موقع المتجر القريب من مسكني فشلاً متكرراً لمشروعات مختلفة خلال فترة وجيزة، وفي المرة الرابعة أو أكثر، كنت أهم بالخروج من مسكني فشاهدتُ ريادياً جديداً يشرف على الديكورات الجديدة للمتجر، وبعد بضعة أيام شاهدته يُشرف على إنزال البضاعة (وأظن أنها كانت مستلزمات بناء خفيفة)، في الأثناء كنت أعيش صراعاً بين أمرين؛ أأنقل له تخوفي من فشل المشروع وأخبره عن تاريخ الموقع، أم أتركه يمضي في حال سبيله لعل المشروع ينجح، فاخترت الثانية كي لا أُتهم بالتدخل فيما لايعنيني، وخصوصاً أنّ صاحب المشروع كان قد قطع شوطاً طويلاً من حيث الإيجار والتراخيص والديكور وشراء البضاعة، ولم أُرد أن يساء فهمي كوني أسكن بالقرب من موقع المتجر؟!
فشل المشروع بعد أسابيع معدودة، وأخلى صاحبنا الموقع، تكرر الأمر في نفس الشارع في مواقع قريبة، فأصبحت أكثر ميلاً لنصح الآخرين بالابتعاد عن المواقع التي شهدت فشلاً متكرراً، وازدادت قناعتي بأنّ الأمر لا يرتبط بروح المغامرة والتحدي، بقدر ارتباطه بعوامل فشل مستترة في علم الغيب، لا تحيط بها دراسات الجدوى ولا استبانات التقصي، لذا لا ضرر من الابتعاد عن المواقع المسكونة عند اختيار موقع المشروع.