تابعت حملة المقاطعة التي قام بها عدد هائل من المواطنين ضد إحدى الشركات الكبرى، وجلست أنتظر مشاركة جمعية حماية المستهلك في هذه الحملة ولو من باب إثبات الوجود كي أتأكد فعلا أنها مؤسسة فاعلة لا هيكل فخم يستنزف الأموال العامة دون نتيجة، وبالطبع لم يكن للجمعية أي وجود في هذا الحراك الاجتماعي العفوي كما هو حالها دائما، وأصدقكم القول إنني رغم إعجابي بحملة المقاطعة إلا أنني لم أكن مهتما بها قدر اهتمامي بإحصاء (الهياكل) غير الفاعلة في وطننا وحجم ضغطها على الإنفاق العام دون نتيجة تذكر، ولعل جمعية حماية المستهلك هي مجرد هيكل صغير إذا ما قورنت بالهياك العملاقة التي تستنزف عشرات الملايين من الريالات دون معنى.
وللتوضيح فإن الهيكل يختلف عن المؤسسة الحقيقية في كونه مبنى بلا معنى، وفي أزمنة التقشف تتحول الهياكل الفاخرة ورما كبيرا لا يمكن إخفاؤه بسهولة، حيث تمر السيارات مسرعة أمام مبانٍ فاخرة لا يكاد يدخلها أحد مثل (الحوار الوطني)، (هيئة الصحفيين)، (هيئة حقوق الإنسان)، تفكر في الوقت الذي استغرقه المهندسون في الخروج بتصميمات متفردة حيث حسبوا حساب كل شيء: القاعات المكيفة المزودة بأحدث أنظمة الصوت والممرات ذات الديكورات المستمدة من التراث وحتى مواقف السيارات الكافية لزوار لم يحضروا أبدا، هذا بخلاف كلفة الموظفين ومواقع الإنترنت وحفلات الشاي وتذاكر الطائرات.
قبل سنوات عدة شكلت هذه (الهياكل) أملا ما في وجود مؤسسات للمجتمع المدني، ولكنها تحولت مع مرور الأيام إلى وسائل لـ(تنفيع) الأحباب والأقارب من المتقاعدين و(المتسببين) دون أن تصنع أثرا حقيقيا في المجالات التي يفترض أنها تمثلها وتدافع عن حقوق المجتمع بخصوصها، ولو نظرنا إلى كلفة كل مبنى فاخر والموظفين المسجلين على ملاكه من حملة الدكتوراه وغيرهم لوجدنا أنه يوازي كلفة كلية تحتوي أبناءنا وبناتنا ممن لم يجدوا مقاعد للدراسة الجامعية في هذا الزمان الصعب أو غير ذلك من الإدارات الحكومية التي يتزاحم فيها المراجعون في الممرات ويضطرون لاستخدام سيارات الأجرة من أجل الوصول إليها بسبب عدم وجود مواقف للسيارات.
في زمن التقشف لا بد من فتح ملفات هذه الهياكل الفاخرة و(إعادة تدوير) غير النافع منها..فالمتقشفون لا تليق بهم (الفشخرة) الفارغة!