ذكر مسؤول في وزارة العمل، أن وزارته لا تعترف في نظامها بمسمى الكفيل أو الكفالة للعامل، وأنها تصنف هذا الأمر على مبدأ الثلاثة أطراف، المتمثلين في العقد وصاحب العمل والعامل، مشدداً على أنه لا يوجد في نظام العمل ولا في أدبيات الوزارة ما يدعى بالكفيل أو المكفول، وهي لا تعترف إلا بمسميات عامل وصاحب عمل.
وتأتي تصريحات المسؤول، في وقت تحدث فيه اقتصاديون وقانونيون عن مشاكل عدة يتسبب فيها نظام الكفالة في وقت تشهد فيه ظاهرة هروب العمالة نمواً مطرداً، مشيرين إلى أن المجتمع الدولي ممثلاً في بعض هيئات حقوق الإنسان، تتهم السعودية بالشروع في جرائم الإتجار بالبشر، خاصة في الوقت الذي يشهد فيه القضاء العمالي تأخراً، وكذلك وجود عدد كبير وضخم جداً من العمالة تعمل لدى غير كفلائها وبشكل غير نظامي.
وأوضح حطاب العنزي، المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل، أن الوزارة تقر بمشكلة هروب وتسرب العمالة من أصحاب العمل، مرجعة أسباب هذه الظاهرة إلى عدة معطيات، يأتي من أبرزها وجود العروض المالية الأفضل للعامل الهارب عند صاحب عمل آخر.
وقال العنزي: “لدينا في نظام العمل والقرارات الوزارية التي نعمل من خلالها، نصوص ومواد قانونية يتم اتخاذها بحق العمالة الهاربة ومن يؤويها أيضاً، حيث تنص المادة 39 من نظام العمل، على أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر أو يعمل لحسابه الخاص، وهناك المادة 233 من نظام العمل تنص على فرض العقوبة على كل من خالف المادة 39 بغرامة مالية، كما يتم ترحيل العامل على حساب من وجد يعمل لديه”.
وتابع المتحدث الرسمي باسم وزارة العمل: “هناك القرار الوزاري رقم 980 ينص على فرض العقوبات على من يقومون بالتستر وإيواء العمالة الهاربة والمتغيبة عن أعمالها، وأنه يبدأ بحقهم فرض العقوبات ومنها المالية والحرمان من الاستقدام حتى لو وصل الأمر إلى الحرمان القطعي من الاستقدام”، مبيناً أن العقوبات تشمل العامل الهارب ولا يتم ترحيله إلى بلاده إلى بعد الإيفاء بالعقوبة.
واستدرك العنزي، أن المقيم الذي يتم القبض عليه في مكان بخلاف موقع العمل، يتم معاملته وفقاً لنظام المخالف لنظام الإقامة، وهو نظام مختلف عن ذلك الذي يطبق بحق العامل الهارب الذي يقبض وهو يمارس أي مهنة كانت سواء لحسابه الخاص أو لحساب صاحب عمل آخر، وقال حرفياً: “نحن لدينا حملات تفتيشية، ولو وجد عامل يعمل عند غير كفيله يعتبر مخالفا وتطبق بحق الكفيل وبحق العامل العقوبات المنصوص عليها في القرار الوزاري رقم 980 “.
وكانت الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، قد انتقدت نظام العقوبات المطبق بحق العمالة الهاربة والذي يأتي سلبياً حسب وجهة نظرها بشكل أكبر تجاه المواطن من حيث الغرامات المفروضة عليه، وإيجابيا تجاه العامل الهارب من حيث تسهيل مهمة عودته إلى بلاده بعد أن يقضي مدة الانتظار في السجون المخصصة لذلك حتى إنهاء إجراءات مغادرته لأراضي المملكة.
وقال ماهر بن صالح جمال، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة والمتحدث الرسمي باسم المجلس: “وفقاً للتقديرات والإحصاءات الرسمية المعلنة، فإن في بعض الشهور يصل عدد العمالة التي يتم ترحيلها من السعودية إلى بلدانها إلى نحو 30 ألف عامل ما بين هارب من مكفوله ومتخلف عن العودة إلى بلاده بعد تأدية نسك العمرة أو الحج”، داعياً إلى أهمية فرض عقوبات مالية مشددة على العمالة الهاربة قبل ترحيلها وتحويلها لصالح خزانة الوطن والذي يعد المتضرر الأكبر من هذا الأمر.
وأشار جمال إلى أنه من الواجب فرض العقوبة على العامل الهارب من مكفوله، خاصة أن ما وصل إلينا من معلومات خلال ورشة عمل عقدتها سابقاً غرفة مكة بهذا الشأن، تؤكد أن وزارة العمل لا تنظر إلى المديونيات المترتبة على هذا العامل الوافد لصالح الجهات الحكومية المختلفة من مرور وكهرباء وهاتف وغيرها، وأنها فقط تبحث عن ترحيله إلى بلاده.
وأبان جمال، أنه وفقاً للمعدل الشهري لترحيل الوافدين، فمن الممكن أن يدخل على خزانة الدولة سنوياً مبلغ لا يقل عن 1.8 مليار ريال، وذلك في حال طبقت عقوبة بلغ حدها الأدنى خمسة آلاف ريال على كل عامل هارب أو متخلف أو مخالف لنظام الإقامة والعمل، مردفاً: “من الإجحاف أن تطبق عقوبة على المواطن المتستر على عامل هارب تراوح بين خمسة و15 ألف ريال، بينما العامل لا ينطبق بحقه ذلك النص”.
وكشف جمال، أن اللجنة الوطنية التجارية أقرت أخيراً تشكيل فريق عمل لبحث مشكلات العمالة بشكل عام، وخاصة الهاربة منها، وذلك لوضع الحلول الإجرائية لهذا الأمر وبحث السبل الكفيلة بعد تفشي هذه الظاهرة التي بلغت مستويات مرتفعة انعكس أثرها السلبي في القطاعات الاقتصادية في المملكة التي تكبدت خسائر تقدر بمئات الملايين من الريالات، مرجعاً أسباب هروب العمالة إلى وجود التضييق في إجراءات الاستقدام ما يتيح لهم وجود فرص عمل في قطاعات أخرى وبمرتبات أعلى تصل إلى ثلاثة أضعاف مرتبه المنصوص عليه في عقد العمل الذي استقدم من خلاله، ولعدم وجود عقوبات رادعة تمنع العامل من مجرد التفكير بالهروب.
وأوضح جمال الذي يشغل أيضاً العضوية في اللجنة التجارية الوطنية، أن من الآثار السلبية الناتجة عن ظاهرة هروب العمالة، رفع التكاليف خاصة في قطاع الإنشاءات، حيث إنه القطاع الأكبر المتضرر من هذا الأمر في ظل عدم قدرة العاملين في القطاع على استقدام العمالة لوقوع معظمهم في النطاق الأحمر، ما يدفعهم ذلك إلى الاستعانة ببعض العمالة الهاربة التي تتقاضى مرتبات تفوق في بعض الأحيان مقدرة تلك الشركات المؤسسات العاملة تحت منظومة قطاع الإنشاءات.
ولفت جمال، إلى أنه ليس من المنطق أن يحدث هذا الأمر في ظل ارتباط المقاولين والعاملين في قطاع التشغيل والصيانة بشروط جزائية لتنفيذ المشاريع، الأمر الذي يجعل منهم لتلافي الوقوع في منظومة تلك البنود، الاعتماد على العمالة الهاربة أو المخالفة للنظام وبأسعار مرتفعة تجعلهم يغادرون السوق بعد ذلك نظراً لحجم الخسائر التي لحقت بهم.
وأفاد جمال، أن كثيرا من شركات المقاولات بسبب الأنظمة المعقدة وعدم وجود الحماية الكافية لها غادرت السوق، وهو الأمر الذي جعل من المجال مفتوحاً أمام الشركات الوهمية للدخول في السوق خاصة في قطاع البناء، مبيناً أنه القطاع الذي يعاني اليوم من ظهور العيوب فيه وعدم مقدرته على الإيفاء باحتياجات طالب السكن، نظراً لعدم مقدرته على العيش لفترة متوازية مع ذلك السعر الذي تم شراؤه به في ظل ارتفاع الأسعار والتضخم الذي تشهده السوق العقارية.
واستدرك جمال: “ما لاحظناه خلال الأيام الماضية من مشهد يتكرر سنوياً أمام أحد القنصليات في محافظة جدة، ووقف نحو 200 وافد قدموا من أرضها مطالبين بالترحيل، هو أكبر دليل على وجود خطأ في نظام العمل، خاصة في وقت تواجدت فيه الجهات الأمنية ليس من أجل القبض على تلك العمالة، وإنما لحماية قنصلية بلدهم ومحيطها من الأضرار التي قد تقع، وبعد بلوغ الحال بتلك العمالة أيضاً إلى التوجه نحو إغلاق مسارات الطرق المؤدية إلى القنصلية”.
ويرى جمال، أن ما يثير الغرابة مطالبة تلك العمالة المعتصمة أمام سفارتها باستخراج جوازات بدل فاقد وترحيلهم أيضاً على نفقة السفارة، مردفاً: “يبدو أن المشهد هنا يخرج عن المألوف، خاصة لو علمنا أن هناك عمالة مخالفة موجودة في السعودية منذ سنوات طويلة مضت وقبل أن يتم تطبيق نظام البصمة، فما الذي سيثبت لنا اليوم أن هذه العمالة لم ترتكب جرائم وهي الآن تحاول الهروب منها”.
وأردف جمال: “إننا ككفلاء لتلك العمالة الهاربة، نريد ومن أبسط حقوقنا أن يتم إبلاغنا بالقبض عليهم أو ترحيلهم، وذلك حتى يتسنى لنا معرفة الأمر والاطلاع عليه لملاحقة ذلك العامل قانونيا في حال كان قد ارتكب خطأ نظاميا في الشركة أو القطاع الذي كان يعمل فيه”، مبيناً أن القطاع الخاص المتضرر من الأمر بشكل كبير يريد أن يعرف حقوقه وأن يتم ردها له في ظل التساهل مع أمر هروب تلك العمالة من قبل الأنظمة وعدم قدرتها على ردعه من الهروب، خاصة أن القطاعات تعاني في بداية الأمر معهم من عدم جودتهم في الأداء وفي آخر المطاف من هروبهم الذي يضع تلك القطاعات في مواجهة مباشرة مع شبح الخسائر.
من جهته، قال الدكتور ماجد قاروب، المحامي ورئيس اللجنة الوطنية للمحامين سابقاً: “سوق العمل فيما يخص الاستقدام والتأشيرات وهروب العمالة أو تسيبها أو وجودها لدى الغير واستقبال الغير لها من غير الكفلاء النظاميين، بحاجة إلى وقفة ومراجعة جذرية متجردة من الأهواء، ولابد على كل جهة من الجهات الحكومية والقطاع الخاص أن يقوم بدوره الكامل والفاعل على أساس التعاون بين مختلف الجهات ذات العلاقة، وليس التنافر والتباعد وتقاذف المسؤولية بين جهة وأخرى”، محذراً من آثار هذه الظواهر السلبية، الأمنية منها والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
وأشار قاروب، إلى أن من أكبر مخاطر السعودة والتوطين للوظائف، هو وجود تلك العمالة الفاسدة، والمتمثلة في العمالة السائبة التي لديها القدرة للعمل لدى الغير بعد هروبها كفلائهم، ووجود شركات ومؤسسات أخرى تستقبلهم دون أن تنظر في الحصول على تأشيرات جديدة أو تقوم بسعودة الوظائف المتطلب سعودتها لديها للخروج من هذه الأزمة.
وقدر قاروب، حجم العمالة التي تعمل في قطاعات التغذية والمطاعم التي لا يجوز استقدامها وهي غير مؤهلة للعمل وغير نظامية أيضاً، تتجاوز نحو 50 في المائة من عدد العمالة الكلي، لافتاً إلى أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال التغاضي عن هذه المشكلة حتى لو كان الأمر يصل إلى أن يتعثر مشروع تنمية وطني.
وقال قاروب: “لا يمكن تحت أي بند من البنود سواء كان بند التنمية أو المشاريع الجديدة العملاقة أو بند الإسراع في تنفيذ المشاريع أو أي بند آخر، أن يكون من خلال إجازة مخالفة قانونية تنص عليها أنظمة المملكة، حيث إنه لا يجوز التغاضي عن تطبيق القانون أو التحايل على نظام نطاقات والذي وجد من أجل معالجة مشكلة وطنية تتمثل في مشاريع السعودة والتوطين، والذي يجب معها أن تضع الحلول الصحيحة لها، إذ إنه من الواجب أن يستفيد أبناء الوطن من تلك المشاريع ولا تذهب الفائدة بشكل كلي إلى العمالة الوافدة”.
ودعا قاروب، بضرورة تغيير نظام المنافسات الحكومية وتعديل بعض البنود فيه، خاصة إذا كان المشروع الذي يطرح المنافسة عليه من المشاريع العملاقة، وقال: “يجب أن يوضع في الاعتبار عند طرح المشاريع العملاقة للمناقصات مراعاة وضع بند الأجور، وأن تكون الأجور معدة على أساس أن العاملين من السعوديين بحد مرتبات يراوح بين ثلاثة وأربعة آلاف ريال كحد أدنى بخلاف الميزات الإضافية، وليس باعتبار أن العمالة رخيصة وأجورهم تراوح في منطقة 1000-1200 ريال، وبالتالي قيمة هذا البند يجب في المشاريع الحكومية العملاقة ألا يخضع للروتين الحكومي تحت مظلة المناقصات، ويجب أن يكون هذا البند له ميزات خاصة ويذهب صالح تنفيذ المشروع لمن يضع أعلى سعر في هذا البند الذي سينعكس إيجابا على التنمية الاقتصادية والبشرية”.
ويرى قاروب، أن زيادة العقوبات ليست بالحل الناجح لتقليص حجم مشكلة وظاهرة هروب العمالة أو معالجتها من جذورها، وأن المسألة بحاجة إلى تدخل جاد من الجهات المعنية وخاصة تلك المعنية بالتشريعات والقانون، لافتاً إلى أن السعودية تقف في موقف تشكيك أمام المجتمع الدولي ممثل في هيئات حقوق الإنسان، والتي تشير بأصابع الاتهام نحو المملكة بتهمة الشروع في الإتجار بالبشر.
وأضاف قاروب: “عندما تتهم المملكة بانتهاك حقوق الإنسان والعمالة والشروع في جرائم البشر.. من المسئول عن ذلك؟”، مردفاً: “إن من أسباب هذا الاتهام هو حجم القضايا العمالية وتنوعها، كما أن المجتمع الدولي لم يستوعب نظرية الكفيل المعمول بها في المملكة، وهو أمر يأتي في وقت يشهد فيه القضاء العمالي تأخراً، والعمالة المهربة والتي تعمل لدى غير كفلائها عددها كبير وضخم جداً، وبالتالي هذا التناقض مابين وجود نظام الكفالة مقارنة بالعدد الكبير من العمالة الهاربة يجعل من المملكة تدخل في إطار التشكيك في قوانينها من حيث التعامل الصحيح مع العمال.