حث عدد من أعضاء مجلس الشورى والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والأمنيين والمثقفين على ضرورة دراسة الحوادث الأمنية التي شهدتها بعض المناطق، تحديدا جرائم الخادمات التي بدأت تسجل منعطفا أمنيا كبيرا وصل إلى حد قتل الأطفال والاعتداء عليهم بمختلف الطرق. وجاءت مطالب المختصين بعد حادثة الطفلة (تالا ) التي أزهقت روحها قبل أيام على يد خادمة آسيوية استغلت غياب ذويها وأجهزت على الطفلة، لتسجل الحادثة امتدادا للجرائم التي سبق أن سجلت في الأشهر الماضية من هذا العام والتي شهدت طرقا مختلفة من الإيذاء والقتل.
المصادر رصدت آراء المختصين والمهتمين وذكر أستاذ علم الاجتماع الدكتور سليمان العقيل أن مقتل الطفلة تالا وإزهاق روحها على يد عاملة المنزل في ينبع يعتبر من الحوادث المأساوية التي تستوجب الوقوف عندها والتصدي لها وللوقائع التي بدأت تظهر بشكل ينذر بالخطر وتدعو إلى الإسراع في إيجاد الحلول، واعتقد أن الوقت قد حان لأن نطبق نظام إخضاع العمالة الوافدة إلى صحيفة سوابق كما هو مطبق في بعض الدول وهو مشروع ليس فيه أي انتقاص للإنسان.
هل نحن محتاجون؟
وقال العقيل: على وزارة العمل والسفارات ومكاتب الاستقدام والجهات ذات العلاقة باستقدام العمالة دور في المساهمة والتصدي لمثل هذه الجرائم بواسطة التوعية والتبصير وإقامة محاضرات للعمالة قبل مجيئها وتبصيرها -ما لها وما عليها- مع شرح أنظمة العمل في المملكة وإخضاعهم لدورات تثقيفية وتعليمية وإخضاعهم أيضا لكشف طبي ونفسي مع استخراج صحيفة سوابق وبموجبها يتم استخراج تأشيرة عمل لكل راغب في العمل بالمملكة، وعلى الأسر السعودية أن تعيد النظر في احتياجاتها للعمالة المنزلية وأن لايكون الأمر من باب التباهي ومسايرة الآخرين حتى لا نخسر ماديا وقبل ذلك حتى لا تتحول العمالة إلى أداة تفرق بيننا وبين الذين نحبهم وتحرمنا من رؤيتهم.
العقيل أرجع أسباب حوادث الجرائم التي تعرض لها بعض الأطفال أوربات البيوت إلى عدة أسباب منها (النزغ الشيطاني) الذي يجعل هذه العناصر لاتراعي الأمانة أو الأخلاق نتيجة سلوكها الشيطاني قبل مجيئها، أو قد تكون مصابة بمرض نفسي ومع انتهاء الأدوية التي تتناولها تتعرض لنكسة صحية، أو ربما تتعرض لصدمة نفسية تفقدها السيطرة على نفسها.
قوة الذراع والطفرة
الباحث والأكاديمي الدكتور سلطان العنقري يرى أن الحوادث التي وقعت والتي راح ضحيتها صغار وكبار على أيدي العمالة الوافدة أو ألحق بهم الضرر لم تصل حتى الآن إلى الظاهرة لكنها ناقوس خطر يدق وينذر بأهمية دراسة تصرفات العمالة تجاه المجتمع ودراسة أسلوب تعامل المجتمع معهم .وأضاف: مهما كانت الأسباب والمبررات التي تطلقها بعض العمالة تبريرا لجرائمهم هي مبررات مردودة عليهم لأن القانون والحقوق لا تؤخذ بقوة الذراع وإنما من خلال مؤسسات العدل والأمن.
ويتأسف أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة المشارك في جامعة القصيم المستشار بالإمارة الدكتور يوسف الرميح على وجود العاملات في منازلنا دون حاجة ويقول: للأسف دخول العاملات إلى منازلنا ظهر مع الطفرة أي قبل 30 عاما واستمر وجودهم بيننا طوال الفترة الفائتة ومازال.. هذه ظاهرة سلبية ومؤثرة على المجتمع وعلى الفرد نفسه الذي في كثير من الأحيان وتحت بعض الضغوط يضطر لمسايرة الآخرين في جلب العاملات إلى المنزل ويتحمل تبعات ذلك حتى وإن كان على حساب وضعه الاقتصادي وعدم قدرته على الإيفاء بحقوق من يعمل لديه وهنا تحدث المشكلة، لذلك يرى الرميح إعادة النظر في حساباتنا وفي الموجودين داخل منازلنا؟ هل نحتاجهم فعليا أم أن الحاجة هنا لمسايرة الآخرين، إن كانت الحاجة هي السبب، علينا الاستعانة بسفاراتنا في الخارج في الانتقاء وهذا لن يتم إلا بوجود نظام أو قانون يجبر كل راغب في المجيء إلى البلاد أن يستخرج صحيفة سوابق وأن تكون لديه شهادة صحية بالأمراض التي أصيب بها أو يعاني منها.
الرميح طالب أيضا أن يكون في كل الإدارات التي تعمل فيها النساء حضانات تستوعب أطفال العاملات طوال فترة عملهن وهذا سينعكس على أداء الموظفة وفي نفس الوقت سيقلل حاجتنا لاستقدام العاملات.
مفاخرة ومسايرة وتقليد
تشير المختصة في علم النفس والإرشاد والتوجيه الأسري الدكتورة زهرة المعبي، إلى أن استقدام العاملات في أغلبه يتم من باب المفاخرة ومسايرة الآخرين وهو منعطف خطير وله سلبياته على الفرد قبل المجتمع من خلال تأثر الطفل بثقافة العاملة وأيضا تأثره بها نتيجة التصاقه الدائم بالعاملة المنزلية.. وتأثرنا نحن داخل المنزل نتيجة اعتمادنا الكلي عليهن، ومن خلال ما نلمسه من سلبيات وجرائم ترتكبها هذه العمالة أقول إن الوقت قد حان لأن نرى في الأحياء التي نسكن فيها وفي المؤسسات التي نعمل فيها حضانات تكفينا شر الاعتماد على الآخرين وتطمأن قلوبنا على فلذات أكبادنا.
ويوضح مدير عام الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عبدالحميد حبيب، أن دراسة أسباب وقوع وارتكاب الحوادث هي من اختصاص جهات أخرى لأنها قضايا جنائية ودورنا فقط ينحصر في زيارة الحالات المتضررة وتقديم الدعم النفسي لها، وتمنى حبيب تشكيل لجنة لدراسة مثل هذه الوقوعات للوقوف على الأسباب وإيجاد الحلول لأن دراسة الحالات تحتاج في المقام الأول إلى معلومات أمنية خاصة وأن هذه الحوادث أصبحت تميل إلى الظاهرة نتيجة وقوع حوادث متكررة تستوجب أهمية التصدي لها.
إعادة قراءة الحسابات
مدير شرطة الباحة اللواء محمد الهطلاني، قال: إن كل حادثة تقع -صغرت أم كبرت- تتم دراسة أسباب وقوعها وكل ما هو محيط بها، وفيما يتعلق بجرائم العمالة المنزلية قد تكون واضحة نتيجة التصاقنا بها وبالذات الجرائم الخطيرة كالتي وقعت قبل أيام وراح ضحيتها الطفلة تالا في ينبع وهذا يجعلنا نسأل أنفسنا ونعيد حساباتنا هل نحن في حاجة ضرورية إلى وجودهم في منازلنا. هل العمالة مؤهلة بالقدر الكافي الذي يجعلنا نأتمن على أنفسنا وممتلكاتنا أم أن لهؤلاء تاريخا إجراميا لا نعرف عنه شيئا نتيجة عدم وجود صحيفة سوابق لهم. وأقصد من هذا أن تكون لدينا خلفية عن سلوك الشخص الذي سيدخل بيوتنا وهذا لن يتم إلا إذا اتخذ قرار بذلك وأن تبذل الجهات ذات الاختصاص جهدا أكبر في هذا الخصوص في ظل تزايد جرائم العمالة المنزلية.
جلسة مصارحة ومكاشفة
رئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس الشورى الدكتور سعود حميد السبيعي نفى، أن يكون المجلس قد درس اقتراحا عن صحيفة سوابق تستخرجها العمالة قبل مجيئها إلى المملكة وقال إن الدراسة التي قدمت للمجلس تتعلق بتنمية وتنشيط دور مراكز الأحياء بهدف تقوية الترابط الاجتماعي وغرس وتنمية المسؤولية الاجتماعية في الأسر ومعالجة السلوكيات الانحرافية التي بدأت تظهر نتيجة المتغيرات وأن تكون هدفا لتجمع أبناء الحي الواحد ومنها إيجاد حضانة أطفال تستقبل أطفال العاملات.
مضيفا أن تكرار وقوع جرائم العاملين في المنازل في حاجة إلى وقفة مع النفس أولا وأخيرا وعلينا أن نجلس مع أنفسنا جلسة مصارحة هل نحن في حاجة إلى وجودهم بيننا؟ وهل الحاجة مستمرة أم وقتية؟ أرى ضررها أكبر من نفعها والسبب تأثر أطفالنا بثقافاتهم والتصاقهم بهم والابتعاد عنا وانتهاك خصوصياتنا.