“أم علي” عجوز سبعينية، تحمل قصة إنسانية، سطرتها الليالي والأيام التي قست عليها بحكمة من الله، وجعلتها حبيسة منزلها المتواضع على ظهر كرسيها المتحرك.. فلا مستشفيات تقدِّم لها خدمة العلاج، ولا مؤسسات خيرية وحكومية تقدِّم لها ما يسد حاجتها من مال؛والسبب أنها بلا هوية، ولا تحمل أي جنسية، رغم أنها زوجة لمواطن سعودي، وأم لستة أبناء منه، وجدة لـ 43 حفيداً، كلهم يحملون الجنسية السعودية، ويتمتعون بكامل حقوق المواطنة.
رحلة “أم علي” – كما يسردها زوجها “عبد الله” – بدأت في الحياة قبل قرابة 75 عاماً، عندما وُلدت في قرية “أبو حجر الأعلى” التابعة لمنطقة جازان، وكان والداها مملوكَيْن “عبيدَيْن” للشريف محمد هزاع أبو طالب، وهناك ترعرعت في أكناف القرية حتى خطف الموت والدَيْها تباعاً وهي صغيرة.
وبعد أن كبرت زوَّجها جدها، الذي تولى رعايتها بعد والدها، للعم عبدالله، وهاجرا سوياً بعد تحرير المماليك لمحافظة عفيف.
وهنا بدأت رحلة جديدة في حياتهما في البحث عن لقمة العيش سوياً، ومعها بدأت مشاق الحياة مع العم “عبدالله” لإثبات هويته؛ حيث كان هو الآخر لم يستخرج هوية؛ بحكم أنه كان مملوكاً.
بدأ العم عبدالله في المطالبات حتى تحقق له ذلك في العام 1409هـ، وأصبح مواطناً سعودياً، لكن هذا الأمر لم يتحقق لزوجته؛ فعاشت حياتها حتى الآن بلا هوية.
وقال العم “عبد الله”: “لم أجد باباً منذ 35 عاماً إلا وطرقته لإثبات هوية زوجتي، وإضافتها معي في سجل العائلة، إلا أن كل محاولاتي كان مصيرها الفشل”.
وأوضح: “العائق هو أن والدها تُوفِّي وهي صغيرة قبل إصدار الجنسيات، وعاشت حياتها عند مالكي والدها حتى تحرير العبيد، وتولى رعايتها جدها ثم تزوجتُها، وكنت وقتها أيضاً لا أحمل الجنسية، لكنني حصلت عليها لاحقاً”.
وأكمل حديثه وهو يقدم لــ”سبق” مجموعة من الأوراق، منها نسخة لسجل عائلته مضافاً فيه أسرته من “أم علي” المكوَّنة من ولد وخمس بنات، ومنها صك شرعي “طلب إثبات زوجة وأولاد” صادر من محكمة محافظة عفيف عام 1419 هـ، يثبت زواجه من “أم علي” المدعوة “مزيدة بنت حسن سعدي غالب” عام 1375 هـ، والباقي مذكرات مراجعة لطلباته الموجهة للجهات المسؤولة؛ لغرض منح زوجته الجنسية وإضافتها معه.
ويلتفت العم “عبد الله” يميناً وينادي لزوجته؛ لتقابل “سبق”، وتسمع منها ما تبقى من فصول المعاناة، فإذا بها تأتي على كرسي متحرك، يدفعها أحد أحفادها، فينهض العم “عبد الله”، ويتلقف العربة من حفيده، ويقول لها ممازحاً: “أنا من سيحملك يا من حملتِ همومي وهموم بيتي بلا تذمر”، وهي تئن من المرض.
وبادرت “أم علي” بصوت مبحوح: “يا ولدي.. والله ما أريد من الجنسية إلا العلاج في المستشفيات الحكومية؛ فأنا كما ترى أهلكت السنون جسدي، ولم أعد قادرة على الحركة، وشاء الله أن تصيبني جلطة في الشق الأيمن من رأسي، شُلَّت معها الجهة اليمنى من جسدي، وزاد من ذلك مرض ضغط ارتفاع الدم وداء السكري فأُنهكت تماماً، وزاد عذابي رَفْضُ المستشفيات استقبالي وعلاجي؛ لأنني مجهولة الهوية”.
ويلتقط الحديث زوجها المكلوم: “في كل يوم يمر أضع يدي على قلبي خوفاً من أن تتعرض أم علي لأي عارض صحي خطير؛ فهي كما ترى كبيرة في السن، وتعاني أمراضاً كثيرة”.
وتساءل: “ما مصيرها لو أصابها شيء لا قدر الله؟ وأين أذهب بها؟ ومن سيعالجها وهي بلا هوية؟”. مبدياً خوفه أيضاً من أن يتم القبض عليها وتوقيفها للسبب ذاته!
وأضاف العم “عبدالله”: “مع هذا كله لم يترك الفقر لنا العيش برغد؛ فنحن نعيش في هذا المنزل المتواضع الذي تبرع لنا به أحد فاعلي الخير، ولا يوجد لدي أي دخل سوى المساعدة التي تُصرف لنا من الضمان الاجتماعي البالغة 862 ريالاً رغم كِبَر أسرتي وارتفاع تكاليف المعيشة”.
وتابع: “فاقم ذلك عدم حصول زوجتي على الجنسية؛ الأمر الذي ترتب عليه عدم إضافتها معي في سجل الأسرة؛ ما حرمنا من إضافتها أيضاً معي في الضمان الاجتماعي، وذلك حرمني من المبلغ المقرر للزوجين، الذي قد يساعدني في مواجهة مصاريف المعيشة”.
هذا كله فقده العم “عبدالله” فضلاً عن مبلغ بدل المعيشة الذي يُصرف لكل فرد إضافي في سجل رب الأسرة.
كذلك أفقده عدم إضافة زوجته معه مبالغ كثيرة، كان سيحصل عليها خلال التعديلات التي طرأت على سلم الضمان الاجتماعي خلال السنوات الماضية؛ ما سيكون عوناً له على مواجهة الفقر وتوفير مستلزمات أسرته دون الحاجة للناس.
ويناشد العم “عبدالله” الجهات المسؤولة إصدار هوية وطنية لزوجته، وإضافتها معه في سجل العائلة؛ بحكم أنها سعودية الأصل والمنشأ، أنجبت 49 مواطناً، ما بين ابن وحفيد، وإنهاء معاناته ومعاناتها؛ حتى تتمكن من العلاج من الأمراض التي تكالبت عليها، وأنهكت قواها.