يُحدث مرور ما تبقى من سيارات التاكسي الأصفر دهشة لدى المارة الذين عاصروه، والجيل الذي لم يركبه، لغرابة لونه ولتمسكه بالحياة، بعد أن أحاله التاكسي الأبيض (الليموزين) إلى التقاعد، طاوياً بذلك حقبة كان فيها سيد وسائل النقل بلا منازع.
ويقارن ملاك التاكسي الأصفر بينهم وبين «تاكسي لندن» الشهير، الذي أصبحت تصدره بريطانيا إلى الكثير من دول العالم، بعد أن كان حكراً على السياحة اللندنية، ووصوله لدول عربية وخليجية ومن بينها السعودية، والبحرين، والإمارات التي تلقت أسطولاً من هذه السيارات ذائعة الصيت، ويرون أن وجه الشبه كبير فقد كان التاكسي الأصفر علامة بارزة في الشوارع كما هو «التاكسي اللندني».
ولا يزال جاسم عبد العظيم (في العقد السابع) يتذكر قصصاً مرت عليه مع أول تاكسي أصفر امتلكه، قبل أن يودع مهنته قبل سبعة أعوام وللأبد بسبب ضعف بصره، وتردي حالته الصحية، يقول «يمثل التاكسي الأصفر ليس لي فقط، بل لجميع من عاصروه شيئاً كبيراً لا يمكن أن يوصف سوى بالعزيز على قلوبنا، فقد كان ولسنوات طويلة من أكثر وسائل النقل اقتراباً من القلب». ويحكي «امتلكت سيارة التاكسي وهي من نوع كراسيدا صنعت في العام 1382 هـ، وساعدني في شرائها أخي الأكبر، وبدأت العمل عليها دون توقف، وكانت مصدر دخلي الوحيد، ولا يمكن أن أصف ما كانت تدره من أموال بسبب قلة السيارات الموجودة في المنطقة، إلا ما ندر، فكان سائق سيارة الأجرة واحداً من المهمين الذين لا يمكن الاستغناء عنهم».
ويوضح جاسم «كان لون التاكسي الأصفر ولا يزال مميزاً، ويستطيع أي شخص تمييزه من بعيد، وليس كما نراه الآن حيث يختلط علينا الليموزين الأبيض مع السيارات العادية، وللتاكسي معزة خاصة في نفوس الكثيرين، حيث كان ينقلهم إلى وجهات يصعب الوصول إليها، وكان وسيلة النقل السريعة في ذلك الوقت».
ويفتقد التاكسي «الأصفر» وسائل الراحة، فلا وجود للمقاعد الجلدية، ولا جهاز التكييف الذي يخفف من قسوة الصيف الحارق، إلا أن الجيل الثاني من التاكسي والتي زودت بأجهزة التسجيل كان نقلة نوعية بحسب قول جاسم «كان ركوب التاكسي فرصة للاستماع لأشرطة الفن الشعبي القديم، ومنها أغاني عيسى الأحسائي، وطاهر الأحسائي، إلى جانب فناني البحر الخليجيين المعروفين بالنهامة».
وعن اتهام سائقي التاكسي الأصفر بالثرثرة، يقول السائق حمد الحمودي «مع الأسف هذا صحيح، فأغلب السائقين يتسلون بسرد القصص التي سمعوها، إلى جانب معرفتهم بقصص من بلدان ودول مختلفة سردها عليهم ركاب من مختلف الجنسيات، ومعظم السائقين لديهم مفردات من لغات مختلفة أيضاً، فمهنتهم تعطيهم فرصة لتبادل الثقافات، ولديهم مخزون من القصص لا ينضب».
ومنذ ظهور «الليموزين» الذي يعد فاخراً في مقابل التاكسي الأصفر الذي بات قريناً بالفقراء وذوي الدخل المحدود، ظهرت حقبة جديدة في مهنة سيارات الأجرة، فلم يحمل الأسطول الجديد من السيارات البيضاء بموديلاتها الجديدة، اسم «التاكسي»، حتى أن كبار السن حوروا في اسمه ليكون «اللي مو زين» باللهجة العامية وتعني «غير الجيد». وظهرت مطالبات بإعادة إحياء التاكسي الأصفر من جديد، واستغلاله للترويج للسياحة التراثية الشعبية، بأن يسمح بدخوله لسوق سيارات الأجرة من جديد للمحافظة على التراث، ولكي يحمل ملامح «تاكسي لندن»، والذي كان من أبرز أهدافه المحافظة على تاريح لندن العريق، والإبقاء على الاتصال بالماضي مع لمسة حداثية بسيطة.
ويرى مراقبون أن مشروع إعادة هذه السيارة إلى ساحة السياحة، ستوفر فرصاً وظيفية للكثير من الشباب العاطلين، وبمقارنة مع التجربة البحرينية التي زاوجت بين التاكسي الأصفر القديم، وبين تاكسي لندن، ومنحت فرصة لتشغيلهما جنباً إلى جنب، ووفرت فرصاً وظيفية لشباب أحبوا المهنة، جعلت من هذه التجربة فرصة لتنفيذها محلياً. ويعد التاكسي الأصفر علامة بارزة من علامات التاريخ المحلي، وبالنظر لأهميته وتأثيره اجتماعياً، يؤمل أن تعود الحياة إليه من جديد مع إدخال تحسينات طفيفة عليه، من خلال تزويده بألبومات صور تاريخية يتصفحها الراكب ليعود إلى ذلك التاريخ، إلى جانب أنها تعد فرصة لإحياء الفن القديم الذي اشتهرت به المنطقة.
ولم يحظ التاكسي الأصفر باهتمام من قبل الدراما السعودية، شأنه شأن التاكسي المصري، الذي كان غالباً ما يأخذ أدواراً مهمة في السينما، فتم توظيفه بشكل يليق وأهميته كوسيلة للنقل ، بل إن الدراما الخليجية ألغته في مقابل ظهور أنواع كثيرة من السيارات الفارهة، ما جعله محط نسيان المشاهد الخليجي. ما تبقى من التاكسي الأصفر، أصبح للمعدمين وللعمالة الوافدة فقط، ويعد البعض ركوبه نوعاً من «العيب الاجتماعي»، بعد أن فقد مكانته التي تربع على عرشها لسنوات طويلة، وهذه إحدى الأسباب التي سرَّعت في إحالته للتقاعد.