اتفق مشايخ ودعاة على أنه لا صحة لإقران العمرة كعبادة بيوم مولد النبي -عليه الصلاة والسلام- تحت مصطلح «عمرة المولد النبوي الشريف» طلباً لزيادة الأجر والفضل، واستمر الاختلاف على صحة الاحتفال بمولده وتداول سيرته، فيما تبرأت اللجنة الوطنية للحج والعمرة من تصميم برامج العمرة على هذا الأساس والترويج لها، وألقت بالمسؤولية على الوكلاء في بلد المعتمر بالخارج، مؤكدة على أن العمرة بهذا الاسم متداول ودارج من ثلاثين سنة.
تخصيص لم يرد
وأكد الأستاذ المشارك في جامعة أم القرى حاتم العوني على أن يوم المولد ليس فيه فضيلة عن سائر الأيام، وتخصيص هذا اليوم لم يرد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يثبت فضله لا عند الصحابة ولا التابعين أن اختص أحدهم هذا اليوم بعبادة العمرة أو سائر العبادات، مبيناً أن أداء العمرة في هذ اليوم مشروع بالمطلق كسائر أيام السنة، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن يشق عن قلبه إذا لم يبين ذلك.
صيام للاحتفال
وعاد مستدركاً: «اختلف العلماء حول مشروعية تخصيص يوم المولد للعبادة لحادثتين عندما سُئل النبي عن صيام يوم الإثنين فقال هذا يوم ولدت فيه، ويحتجون بحديث النبي عندما دخل المدينة ووجد اليهود يحتفلون بصيام يوم عاشوراء فقال النبي نحن أولى بموسى منهم وشرع صيام عاشوراء، احتفالاً بنجاة موسى من فرعون، وحجتهم بأن الصيام للاحتفال، فكيف لا يحتفلون بمولده؟! إلا أن الراجح والصحيح لا يخصص».
إقران بالعبادة
وأشار حاتم العوني إلى أن الخلاف الدارج حول الاحتفال وليس إقرانها بالعبادة وقال: «الاتخاذ منه موعداً للتذكير بسيرة الرسول متاح، لكن لا ينبغي التوسع في هذا الباب لإيهام الناس»، لافتاً إلى أن مصطلح «عمرة المولد النبوي» بهذا الشيوع ترويج إعلاني ونوع من التسويق لبرنامج العمرة، ولمكاسب ومقاصد تجارية ويجب أن يكون هناك حرص على بيان الأمر.
معتمرٌ آثم!
وصنّف الأستاذ المشارك في جامعة أم القرى عبدالعزيز الحربي إقران العمرة بمولد النبي «بالمحدثة»، وقال «هذه من المحدثات وغير موجود لا تسمية ولا عملاً وغير معروف، والأيام كلها كأيام الله، ومسؤولية أهل العلم بيان البدع».
وأكد على أن العلماء المعاصرين والمتأخرين يختلفون في مسألة الاحتفال بالمولد لكنهم متفقون على أنه لا صحة لإقران عبادة بيوم، وأشار إلى أن المؤرخين متفقون على أن وفاته في الثاني عشر من ربيع الأول وهو يوم حزن ليقيموا فيه الاحتفال بولادته، أما موعد ولادته فتم الاختلاف عليه ولا يوجد نص صريح على يوم ولادته، مبيناً أن مؤدي العمرة بنية التعبد في مولد النبي «آثم» إذا دفعه لذلك هوى ولم يتحرَ في دينه، إلا أن عمرته صحيحه، أما إن كان جاهلاً فهو معذور بجهله باعتبار أنه لم يشرك ونيته ليست لغير الله.
السيرة النبوية
وأكد الدكتور الحربي أنه لا مانع في اجتماع الناس على سيرة الرسول وبيان شمائله وصفاته، كحال استذكار الأحداث والغزوات التاريخية من غير طقوس احتفال تصاحب ذكر سيرته، ودون أن يشتمل على وجه ديني تعبدي، منوهاً إلى أن كثيراً من المسلمين أوجدوا خلافاً بين المسلمين أنفسهم لا طائل منه بفعل هذه المسميات والتعصب لها وتخصيص يوم والرمي بالجفاء لمن لم يحضر ولم يفعل، بينما الطرف الآخر يقاطع من يعمل بها ويتهمهم بالبدع المطلقة.
مولد ووفاة
فيما أكد أستاذ السنة وعلوها في جامعة الإمام، أحمد الباتلي، على أنها «بدعة بالمطلق» سواء أكانت احتفالاً أم عبادة، وقال «غير مشروع أن يخصص عمل؛ لأن النبي لم يفعل به والسلف الصالح، واليوم الذي ولد فيه النبي -عليه الصلاة والسلم- هو نفسه اليوم الذي توفي فيه، والاحتفال بولادته كأنه احتفال بوفاته، وهذا لا يقول به أحد» مبيناً أن الراجح وفق الحساب الفلكي أن ولادة الرسول توافق يوم الإثنين العاشر من ربيع الأول.
بدعة التخصيص
ورفض الباتلي تخصيص وتحديد موعد لتذاكر سيرة الرسول، معتبراً أن من الأولى والأفضل ترك ذلك حتى لا تقع البدعة والمحظور، مشيرا إلى أن باب ذكر وتدارس سيرة الرسول طوال العام، أما الاحتفالات الكبيرة والأناشيد ومدائح النبوة من البدع، ولا يجوز أن يتم خص يوم المولد بعمرة أو أي عبادة.
وبيّن أن العمرة في ذاتها صحيحة ولكن الأجر الذي يرجونه من ذلك اليوم لا صحة له، والاعتقاد بتضاعف الحسنات خاطئ، والأحوط أن يعيدها مرة احتياطاً حتى لا يعتقد بأنه ميزها بيوم ابتغاء فضل، مشيراً إلى أن القادم من بلد آخر بنية عمرة مولد النبي يمكنه أن يجدد نيته عند وصوله وتبقى نيته خالصة للعمرة، وعلى طلاب العلم وشركات العمرة التنبيه على ذلك.
برامج العمرة
من جهته برأ رئيس اللجنة الوطنية للحج والعمرة أسامة فيلالي الملاك السعوديين من تصميم برامج العمرة على هذا الأساس والتوجهات الدينية وزج المعتمر في البدع من أجل مكاسب تجارية، وقال «المالك السعودي لا يصمم برنامج العمرة لتوافق المولد النبوي، ولكن من الممكن أن تصادف هذا اليوم بناءً على طلب الوكلاء في بلد المعتمر الذي يصمم برنامج المعتمر ويروجه بهذا التوجه ويختار الأيام، وعلى المالك السعودي أن يجهز ويوفر الإمكانيات للمعتمرين».
تسويق البرامج
وأكد فيلالي على أنه لا يوجد برنامج تحت مسمى «عمرة المولد» ودور الملاك السعوديين الاتفاق مع الوكلاء في الخارج، وهم من يطلبون تحديد الأيام، ويصممون البرنامج ويسوقونه بالطريقة التي يرونها في بلد المعتمر، وقد تتوافق مع يوم المولد، وتساءل عند حضورهم في يوم المولد: «هل نقول لا تقيموا العمرة؟!»، خاصة أن تأشيرات العمرة مفتوحة منذ مطلع شهر صفر.
«عمرة المولد»
وأوضح فيلالي أن مصطلح «عمرة المولد» موجود ومتداول منذ ثلاثين سنة في المغرب ومصر، وبعض الجنسيات يفضلون العمرة في هذا الوقت، لكنها ليست برامج من عمل ملاك الشركات السعودية، مشدداً على أنها تندرج تحت رغبات المعتمرين، لاسيما أن بعض الدول تعطي إجازات في المولد وخلال الفترة، وهم يستغلونها لأداء فريضة العمرة.