سجلت الاستحقاقات الكروية السعودية الثلاثة هذا الموسم، ظاهرة غابت طويلاً عن المشهد المحلي، فمنذ ما يتجاوز عقدين من الزمن لم تجمع قائمة المنافسين على ألقاب دوري جميل وكأس ولي العهد وحتى كأس خادم الحرمين الشريفين، ثلاثي “العاصمة” النصر، الهلال بجانب الشباب، حيث كانت لهم السطوة في مطلع التسعينات الميلادية وحتى منتصفها، وتبادلوا الأدوار والسجل البطولي للمنافسات المحلية قبل أن يتخلى النصر عن حضوره، موجهاً بوصلة المنافسة باتجاه “عروس البحر الأحمر”، حيث عملاقاها الاتحاد والأهلي، بمشاركة دائمة للهلال ومتقطعة للشباب.
وكان تنافس النصر والهلال هذا الموسم أعاد الحياة للمدرجات من حيث الحضور الجماهيري اللافت في المباريات التي يكون طرفاها قطبي “العاصمة”، ما زاد من إثارة الدوري.
سباق محموم
ولم يحظ المتابع الرياضي منذ زمن بمثل هذا السباق المحموم نحو الألقاب المحلية، ففي وقت يتصدر النصر ترتيب فرق جميل قبل جولتين من نهايته ويفصله عن تحقيق آماله نقطة من مباراتيه الأخيرتين، بعد أن حسم سباق كأس ولي العهد بتغلبه على الهلال 2/1 مطلع فبراير الجاري، وسط حضور مميز للشباب الذي غادر نصف النهائي على يد بطل المسابقة النصر، ليعود الشباب ويقصي النصر من منافسات كأس خادم الحرمين ويحرمه من تحقيق إنجاز “الثلاثية”، بيد أنه سيصطدم بالهلال في ربع النهائي في مواجهة “عاصمية” جديدة.
ويملك الهلال الرصيد الأعلى للفوز ببطولات الدوري على مر التاريخ بواقع 13 لقبا يليه الشباب بـ6، ثم النصر 5، وعلى مستوى كأس ولي العهد يحظى الهلال أيضاً بالحصة الأكبر بتحقيقه اللقب في 12 مناسبة، يليه الشباب والنصر بـ3 ألقاب لكل منهما.
خسارة وثأر
شهدت مباريات ثلاثي “العاصمة” هذا الموسم تنافساً شديداً، ففاز النصر على الهلال في الدور الأول للدوري 2 /1، قبل أن يرد “الأزرق” في الدور الثاني 4 /3، في حين سجل النصر انتصاراً ثانياً بطعم الذهب في نهائي كأس ولي العهد 2 /1.
وسجل الهلال رباعية نظيفة بمرمى الشباب في الدور الأول للدوري، قبل أن يثأر الشباب من خسارته ويحقق الفوز 1/صفر في الدور الثاني، في انتظار مواجهة ثالثة من “العيار الثقيل” ستجمعهما في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين في 11 أبريل المقبل.
وفي انتظار مواجهة الدوري الثاني هذا الأسبوع (الرابعة بين الفريقين هذا الموسم) والتي ربما تسجل نتيجتها إغلاق ملف صدارة الدوري للنصراويين، لم تخل مباريات النصر والشباب من الإثارة حيث حسمها الأول 3 /2 في الدور الأول للدوري، ثم أقصى الشباب من نصف نهائي كأس ولي العهد 1/صفر، ليثأر الشباب ويخرج جاره من سباق كأس خادم الحرمين الشريفين بفوزه 2 /1.
أنور: المنافسة “وضع صحي”
حضور ثلاثي “العاصمة” اللافت هذا الموسم، أرجعه اللاعب الشبابي الدولي السابق فؤاد أنور، إلى ابتعاد عملاقي جدة الاتحاد والأهلي عن المنافسة، مبيناً أن “تراجع الاتحاد والأهلي كان له دور كبير في منح الفرصة لأندية العاصمة لتولي زمام المنافسة لابتعاد عنصرين مهمين في خارطة المنافسة على الألقاب المحلية:.
واستدرك “أندية الوسطى لها تاريخ كبير مع البطولات المحلية، وأرى أن عودة النصر هذا الموسم كانت مختلفة عن جميع من ينافسون على البطولات، بالذات مع الاستقرار الفني والإداري الذي يعيشه، يقابله في الهلال والشباب عدم استقرار في الأجهزة الفنية وحتى اللاعبين المحليين والأجانب من حيث تغيير المدربين واللاعبين أيضاً، وهذا التغيير الكبير فيهما أضرهما”.
وأكد أنور أن التنافس بين الهلال والنصر وحتى الشباب يحمل طابعا خاصا من خلال المتابعة الإعلامية والجماهيرية، واصفاً إياه بـ”الوضع الصحي” بالذات مع عودة النصر للمنافسة، مضيفاً “المستفيد الأول من عودة النصر هما الهلال والشباب، وسيجبر مسؤولوهما مستقبلاً على العمل أكثر من خلال التعاقدات والإضافات الفنية المطلوبة وتحسين أوضاعهما الفنية، لأن الحضور النصراوي المميز هذا الموسم كشف الأخطاء التي وقع بها الناديان أمام الإعلام وأيضاً الجماهير”، مختتماً “كانت المنافسة بين الهلال والنصر في سنوات ماضية نتيجة لامتلاكهما أفضل العناصر والآن عادت من جديد، وأعتقد أن الهلاليين وأيضاً الشبابيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الوضع، وبالتالي ستكون عملية التصحيح للموسم المقبل.
مبارك: الندية الغائبة حضرت
لم يختلف رأي مهاجم الهلال الدولي السابق سعد مبارك، عن زميله أنور، بشأن التأثير الإيجابي للمنافسة الكبيرة بين ثلاثي “العاصمة” على مستقبل الكرة السعودية، وأيضاً على أفضلية النصر هذا الموسم، مشيراً إلى أن “التنافس حضر بقوة لوجود فريقين جماهيريين كالهلال والنصر، ولا نغفل الشباب الذي كون قاعدة جماهيرية جيدة أخيراً بعد مستوياته الكبيرة في الأعوام الماضية، ولكن شعبية الهلال والنصر وعودة جماهيريهما بكثافة هذا الموسم أضافت كثيرا من المتعة، وتأثيرها سيكون إيجابياً على الكرة السعودية”.
وأضاف “النصر ظهر بشكل مغاير وكانت خطوطه مكتملة ويملك البديل الجاهز، بينما لدى الهلال والشباب خلل واضح في المناطق الخلفية، بيد أن قوة الفرق الثلاثة في الهجوم والوسط جعلت التنافس بينها محموما”.
وأكد مبارك أن التنافس الحالي أعاد له ذكريات أواخر الثمانينات والتسعينات الميلادية، موضحاً “في السنوات الماضية وخلال لقاءات الديربي بين الهلال والنصر، كانت الترشيحات تنصب بشكل أكبر على الهلال لتفوقه فنياً، بينما الوضع الآن اختلف وحضرت الندية ولا يمكن معرفة من سيفوز بسهولة، ولا ننسى الفريق الشبابي الذي يعد من أعمدة الكرة السعودية وأنجب أكثر من اسم مهم في تاريخها، وأتمنى أن يتضاعف جمهوره بالمدرجات حتى تكتمل صورة المنافسة”.
وفي رؤيته للموسم المقبل توقع مبارك استمرار التنافس بين الفرق الثلاثة، وقال “الهلال يعد طرفا ثابتا في المنافسة منذ أكثر من 40 سنة، وإن لم يحقق الدوري فترتيبه لا يبتعد عن الثاني أو الثالث، بينما الفرق الأخرى تجد تفاوتا في مستوياتها، وبشأن الموسم المقبل أتوقع أن يواصل النصر حضوره القوي لتوافر البديل الجاهز لديه، بشرط المحافظة على عناصره والجهازين الفني والإداري الحاليين، أما بالنسبة للشباب فلديه القدرة والعناصر المؤهلة، فقط هو بحاجة لترتيب وضعه الإداري واختيار جهاز فني جيد يساعد الفريق على المنافسة”.
المطلق: إرث ثلاثي تاريخي
ووصف لاعب النصر الدولي السابق صالح المطلق، التنافس بين ثلاثي “العاصمة” بـ”الحدث التاريخي”، وقال “أعتقد أنها دورة تاريخية لأندية العاصمة وعودة التنافس فيما بينها، وأرى أن الإعداد الفني والإداري عنصر أساس من عوامل المنافسة، والإرث التاريخي بين الثلاثة موجود ولافت”، مضيفاً “كانت للنصر محاولات جادة للعودة منذ الموسم الماضي، واستثمرها وظهرت بشكل أوضح هذا الموسم، بينما الهلال يعد طرفا ثابتا في المنافسة بالرغم من تراجعه حالياً إلا أنه موجود في الصورة، وحتى الشباب يفرض نفسه بالمنافسة على البطولات”. وأبان المطلق أن المنافسة بين الثلاثي ستتواصل وستتضاعف حدتها في الموسم المقبل، وقال “هناك درجة عالية من الوعي نلاحظها هذا الموسم بين مسيري الأندية، والدليل أن الحلول السريعة بعد أي إخفاق هي إقصاء وإلغاء عقد المدربين وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن باستثناء الشباب، وأعتقد حتى قطبي جدة الأهلي والاتحاد لن يستمرا على وضعهما الفني الحالي، ومن المتوقع أن يظهرا بمستوى مغاير، وعودتهما حتمية”.