يروي الكاتب الصحفي علي سعد الموسى حكاية المبتعث السعودي عبدالعزيز الحربي، الذي تم فصله من كلية الهندسة بجامعة الملك سعود، لكنه كسر اليأس والفشل وسافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ليصبح من الأوائل في واحدة من أفضل عشرين جامعة على مستوى العالم في تخصص الهندسة الكيميائية.
وفي مقاله “مبتعث يروي حكايته” بصحيفة “الوطن” يقول الموسى: “قابلت هذا الشاب حين “تعرَّف” عليّ في بهو نادي اتحاد الطلاب بجامعة كلورادو وهو بإصراره يروي قصته للعبرة، وأنا أقول للمثال والقدوة، تخرج عبدالعزيز الحربي من ثانوية عامة لقرية في منتصف المسافة ما بين حائل والمدينة المنورة، وكما يتذكر: كنت سأكون من العشرة الأوائل على المستوى الوطني لو أن آلية الترتيب لم تختف مثلما كانت هي الفيصل من قبل، من أول امتحان للقياس حصلت على 94%، وهي نسبة استثنائية لا يحصل عليها بالإحصاء سوى أقل من خمسة بالمئة من المئة، ودّعت قريتي المقطوعة عن هذا العالم إلى هندسة جامعة الملك سعود، وفي الرياض: كنت قروياً يفتح عينيه للمرة الأولى في حياته أمام كل أنواع الإغراء المفتوح بكل ما يمكن في الخيال من الجنح والخطأ، بعد عامين من الجامعة، وجدت نفسي أسوق الكذبة لوالديّ الطاعنين في السن عن دراستي ومستقبلي الموهوم وأنا طريد الجامعة ومفصولها حين تحولت شقتي في “أم الحمام” إلى وكر أقضي أشهراً دون أن أغادر جدرانه”.
ويمضي الموسى راوياً بلسان الحربي “بقرار تاريخي، قررت تغيير المسار ومن باب “البعثة” اخترت بإصرار هذه الجامعة لأنها في الترتيب ضمن العشرين الأول في تخصص الهندسة الكيميائية، اكتشفت في أميركا أن جوهر التعليم الجامعي لا يستند إلى حكاية “النجاح أو الرسوب”، وأن قصة الدرجة هي آخر ما يفكر فيها أستاذ الجامعة، الجامعة الأميركية في فلسفة الأكاديميا تقوم على مفهوم التعليم لا الدرجة، ومن أجل هذا تم تصميم كل شيء في “حرمها” كي تكون الجامعة عامل جذب وإغراء يستوعب كل متطلبات حياتنا الاجتماعية والترفيهية”.
ويقارن الحربي بين التعليم في أمريكا والمملكة ويقول: “هنا نتعلم لأننا نحب اليوم الجامعي الطويل بكل تفاصيله، هنا نتعلم لأن الحرم الجامعي يجعل من المسكن الخاص سجناً لا تريد دخوله إلا للظلام والنوم، اكتشفت في أميركا أن سلطة القانون وسطوته على حياتنا هي من تأخذك لكي تكون سيداً لا مستعبداً.. وخذ بالمثال، أنني “نمت” في الرياض سنة مكتملة في شقة “أم الحمام” كراهية للجامعة، بينما أنا هنا لا أستطيع الغياب لأسبوع، ولا حذف الفصل الدراسي دون عذر جوهري، لأنني أعرف أن أمامي قوانين إدارة الهجرة وشروطها الصارمة التي لا تحتمل أكثر من خيارين: الترحيل أو السجن، في الرياض كذبت على أهلي لعامين كاملين، وفي أميركا أؤكد لكم أنني لم أتغيب عن جامعتي بدافع القانون… والحب.. ولو لمحاضرة واحدة”.
وفي النهاية ينقل الموسى عن الحربي قوله: “أريدك ـ أخي عليّ ـ أن تكتب لأبي… وإلى قبر أمي التي ماتت قبل عام أن عبدالعزيز اليوم يحصد للسنة الثالثة على التوالي معدلاً مكتملاً في جامعة مرموقة، وأنه ضمن العشرة الأوائل في لوحة القسم”.