يعتبر كتاب «تويتر والبناء الاجتماعي والثقافي لدى الشباب» (صدر أخيراً عن «المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر») محاولة جادة لدراسة شبكات التواصل الاجتماعي الافتراضيّة، ولبناء منطق فكري جديد تبنى عليه نظريات في فهم آليات البناء الثقافي والاجتماعي للمجتمعات، بالترافق مع ارتفاع معدلات انتشار تلك الشبكات.
ولربما يدفع الكتاب المهتمين وخبراء الاتصال والإعلام والأكاديميين في الجامعات العربيّة، إلى جعل الشبكات الافتراضية للتواصل الاجتماعي، مقرّراً دراسيّاً أصيلاً ضمن المنهج الدراسي لكليات الإعلام.
كما يعتبر الكتاب أيضاً دعوة لأساتذة علم الاجتماع لإعادة قراءة النظريات الاجتماعية عن البناء الاجتماعي والثقافي في العالم العربي.
[COLOR=undefined]كثافة التبادل والأموال[/COLOR]
تشير مؤلّفة الكتاب البحرينيّة بسمة قائد البناء، إلى أن الانتشار الواسع لتلك الشبكات، وإقبال الناس من مختلف الأعمار والطبقات والتوجهات عليها، ترتّب عليه إحداث حراك ثقافي واسع داخل المجتمعات العربيّة.
ورافق ذلك زخم كبير في تداول الأخبار بأشكالها المكتوبة والمسموعة والمرئيّة كلها، إضافة إلى تبادل الأفكار والآراء، وتكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات.
كذلك أدّت تلك الظاهرة إلى زيادة التبادل الثقافي والمعرفي محلياً وعالميّاً. وتشير إحصاءات صدرت في عام 2013 إلى أن عدد المنضمين لموقع «تويتر»، بلغ ما يزيد على 250 مليون شخص، بينهم 25 مليوناً في العالم العربي. وتسجّل حسابات «تويتر» باللغة العربيّة نسبة 1.2 في المئة من التغريدات على تلك الموقع، لكنها تنمو باطّراد. وجمع سهم «تويتر» في أول إطلاق عمومي له في بورصة نيويورك، قرابة 1.82 بليون دولار. ويعادل «تويتر» تقريباً موقع «غوغل» (1.92 بليون دولار).
ويذكر أن موقع «فايسبوك» جمع 16 بليون دولار عند إطلاقه في 2012، ما يصنع مكانة مُهمة لهذه المواقع تتعدي كونها مجرد أداة لتبادل المعلومات ونقل الأخبار.
وكشفت دراسة أعدها مركز «ومضة» للبحوث الاقتصادية أن السعوديين هم أكثر العرب استخداماً لموقع «تويتر» بنسبة 38 في المئة، يليهم المصريون (30 في المئة)، والكويتيون (13 في المئة)، والإماراتيون (7 في المئة)، والبحرينيون (4 في المئة). وتصل النسبة عينها إلى 2 في المئة في الأردن ولبنان وقطر، و1 في المئة في المغرب وسلطنة عُمان.
كما قدّر تقرير «كلية دبي للإدارة الحكوميّة» إجمالي عدد مُستخدمي «تويتر» النشطين في العالم العربي في نهاية شهر حزيران (يونيو) 2012، ببضعة عشرات الملايين، كما قدّر عدد التغريدات التي أنتجها العرب بحلول آذار (مارس) 2012، بقرابة 173 مليون تغريدة. ويعتقد أن مغرّدي العرب ينتجون 3993 تغريدة كل دقيقة، ما يعادل 67 تغريدة كل ثانية.
المشاركة السياسيّة
ارتبطت شبكات التواصل في الأذهان بالتغيير الإيجابي والمشاركة السياسيّة والحراك المجتمعي الرامي إلى تحقيق العدالة والمساواة. وصارت الشبكات جزءاً من الخطاب اليومي الحي والمباشر في البلدان العربيّة. ونظراً لأهمية الدور الذي تؤدّيه، ونتيجة للتزايد المطرد في أعداد المشتركين فيه بحرينيّاً، أوردت مؤلّفة الكتاب دراسة وصفيّة لرصد واقع «تويتر» وأنماط استخداماته، وتناوله للأحداث والأخبار والمواقف، عبر تحليل آراء الشباب الجامعي البحريني عن ذلك الأمر.
واحتوت استبانة البحث التي اعتمدتها الباحثة على محاور عدة، شملت أنماط استخدام «تويتر»، ودوافع زيارته والتسجيل فيه، وعمليات التواصل الاجتماعي، والجانب الثقافي من تلك العمليّات. وحلّلت الباحثة استبانات عيّنة عشوائيّة من 300 طالب بحريني جامعي. وخلصت إلى أن الغالبية أبدت حرصها على إظهار هويتها عبر التصريح عن الاسم الحقيقي، وبوضع صورة رمزية أو حقيقية لها، كما تقضي أقل من ساعة يومياً على «تويتر»، ما يدلّ على معدل معتدل لاستخدام الموقع.
وشملت مروحة مشاركة أفراد العيّنة وأشكال تفاعلهم، إعادة إرسال تغريدات للآخرين، والمشاركة في الحوار والتعبير عن الرأي وغيرها. واستخدم ما يزيد على نصف العيّنة حروفاً إنكليزية عند الكتابة باللغة العربيّة.
وكانت أبرز المواضيع المفضلة هي المواضيع الاجتماعيّة، تليها الترفيهيّة، ثم الثقافيّة. وحلّت المواضيع السياسية في المرتبة قبل الأخيرة، ما يشير إلى نوع من عزوف الشباب عن تعاطي الشأن السياسي.
وظهرت ضآلة في أرقام استخدام «تويتر» لغرض الدراسة والبحث العلمي، ودوافع طقوسية كالتعرّف إلى أصدقاء جدد وتنمية العلاقات العاطفيّة. وتبيّن تفضيل أفراد العيّنة الحصول على المعلومة المختصرة والسريعة، ما ربما يعتبر مؤشّراً على ظهور ثقافة سطحيّة.