أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور فيصل غزاوي إن برهان الفطرة هو أُعظم الأدلة وأقواها فالشعور بوجود الله تعالى والإذعانُ بخالق قادر فوق المادة محيط من وراء الطبيعة أمر غريزي مركوز في الإنسان مفطور عليه لا تغيرُه رِيَب المرتابين ولا تزلزلهُ شكوك المشككين فإن العلم بالله تعالى أعظم ما يورث الرضا بالله سبحانه وتعالى بل هو أعظم ما يحقق الإيمان ويقويه إذا استقر في القلب بحق أثمر إفراد الله بالعبادة وطاعته وخشيته وخوفه ورجائه والتوكل عليه”.
وأضاف فضيلته في خطبة الجمعة بالمسجد الحرام “إن الله تعالى جعل في هذا الكون من الآيات البينات ما يدل على وحدانيته وقدرته كما أجمل أن يتأمل المرء ويتفكر في هذه المعروضات والمشاهد، وسئل أعرابي عن الدليل فقال: البعرة تدل على البعير وآثارُ الأقدام على المسير فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على العليم الخبير”.
وبين الشيخ الغزاوي أن معرفة الله نوعان الأول معرفة إقرار وهي التي اشترك فيها الناس جميعا المؤمن والكافر والبار والفاجر قال تعالى: ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) وقال تعالى: ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ).
وأوضح أن النوع الثاني هو معرفة توجب الحياء منه، والمحبة له، وتعلق القلب به، والشوق إلى لقائه، وخشيته، والإنابة إليه، والأنس به، والفرار من الخلق إليه، وهذه هي المعرفة الخاصة، وتفاوت الخلق فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه، وقد قال أعلم الخلق بربه: ” لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك” وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه يفتح عليه يوم القيامة من محامده بما لا يحسنه الآن ولهذه المعرفة بابان واسعان باب التفكر والتأمل في آيات القرآن كلها، والفهم الخاص عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأشار إلى أن الباب الثاني هو التفكر في آياته المشهودة وتأمل حكمته فيها، وقدرته ولطفه، وإحسانه وعدله، وقيامه بالقسط على خلقه وجماع ذلك: الفقه في معاني أسمائه الحسنى، وجلالها وكمالها، وتفرده بذلك وتعلقها بالخلق والأمر، فيكون فقيها في أوامره ونواهيه، فقيها في قضائه وقدره، فقيها في أسمائه وصفاته، فقيها في الحكم الديني الشرعي والحكم الكوني القدري.
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن أمتنا اليوم بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى تبني مشاريع رائدة تعنى بقضية العلم بالله تعالى وإلى بث هذا العلم في مساجدنا وتعزيزه في مناهجنا وتربية أبنائنا ومن تحت أيدينا عليه في بيوتنا ومحاضننا التربوية حماية لمجتمعاتنا المسلمة من داء الإلحاد الذي بدأ يتسلل إليها والحرص على مواجهة الماديين أهل الجحود ودحر شبهاتهم بالأدلة القاطعة والحجج البازغة والبراهين الدامغة ومعالجة ما أصاب بعض المسلمين هداهم الله من الوساوس والشكوك في ذات الله وما لبس عليهم الشيطان من أوهام وتخيلات وخطوات فاسدة.
وفي المدينة المنورة أسهب الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس في سرد فضائل المدينة المنورة، والبركة في سكناها، وما تحتله من مكانة عظمى في التاريخ الإسلامي، وفي أفئدة المسلمين قاطبة، بوصفها مهد الدعوة الإسلامية، ومهاجر سيّد البرية، محذراً من العقوبة الإلهية لمن أراد بها أو بأهلها سوءاً.
وقال فضيلته، إن المدينة المنورة لا زالت بالخيرات والبركات مسوّمة، وطيبة الحبيبة، وطابة اللبيبة، جعلها الله منطلقاً للرسالة الإسلامية الخالدة، ومتنزلاً لوحيه، ومهداً لدعوة نبيه المصطفى والمجتبى عليه صلوات الله وسلامه تترا إلى يوم الدين، قلعة من قلاع الهدى، صخرة صماء، تتهاوى أمامها سهام العدا، هي منارة الإسلام، ومأرز الإيمان، ومحجر العقيدة، ومعقل الحضارة، ومنطلق القيادة والسيادة والريادة للعالم الإسلامي، على ضوء منهج الوسطية والاعتدال “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا” بعيداً عن التطرف والغلو والإرهاب والطائفية والإرهاب، تحقيقاً للاعتصام بالكتاب والسنة، كما قال تعالى ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا “.