[JUSTIFY]حتى وقت قريب جدًا، لا أحد في قرية “سينجولي” الصغيرة الواقعة بين جبال أبنين في وسط إيطاليا كان يعرف أين تقع دولة قطر؟! أو حتى أنها دولة أصلًا؛ لكن السكان عرفوها سريعًا عندما تبرعت تحت رعاية سفيرها عبدالعزيز بن أحمد المالكي بخمسة ملايين يورو (21.5 مليون ريال) قبل شهرين لبناء مدرسة جديدة في ماشيراتا عاصمة الإقليم.
فقبل عام عانت منطقة مارش الإيطالية جراء زلزال قوي، ولا تزال هناك الكثير من عمليات إعادة البناء التي يتعين القيام بها، وبالنسبة للمجتمعات التي تكافح للخروج من الأزمة بدت نقود قطر كذهب يهطل عليهم من السماء.
قطر كانت سخية جدًا مع إيطاليا في الآونة الأخيرة، حسب صحيفة “ذا ناشيونال” وفي سردينيا، اشترت الدوحة منتجع “كوستا سميرالدا” الشهير من المستثمر الأمريكي اللبناني توم باراك، كما تقوم ببناء مستشفى جديد لمجتمع أولبيا.
وبتمويل من المنظمات الخيرية القطرية، تمول الدوحة- أيضًا- بناء عدة مساجد في جميع أنحاء إيطاليا.
ويأتي هذا النشاط والاستثمار وسط عزلة قطر الأخيرة، بعد أن قرر جيرانها وعلى رأسهم السعودية والإمارات مقاطعتها بسبب تمويلها للإرهاب، لذا لا يمكن أن ننظر للكرم القطري في إيطاليا بهذا التوقيت على أنه شيء من قبيل الصدفة، كما تقول الصحيفة.
وتعود العلاقات الاقتصادية بين إيطاليا وقطر إلى عام 2012 عندما استحوذت مجموعة استثمار قطرية على فالنتينو، دار الأزياء الراقية، ومنذ ذلك الحين سعت قطر لحيازة الأصول في إيطاليا، وخاصة الفنادق والعقارات الترفيهية.
وتعززت هذه العلاقات عندما قام رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزى بزيارة غير رسمية للدوحة بداية هذا العام، ويعتقد أن رينزي التقى أمير البلاد السابق الشيخ حمد بن خليفة وزوجته الشيخة موزة وعززا الصفقات التجارية والاستثمارية.
والآن تتقارب المصالح المشتركة لإيطاليا وقطر مرة أخرى، فالدوحة تحاول مرة أخرى شراء ولاء ومواقف بعض الدول كي تتجاوز عزلتها الإقليمية، من خلال محاولة بناء علاقة مباشرة مع واحدة ليست من أكبر ولكن أضعف الاقتصادات في الاتحاد الأوروبي.
بينما تجد إيطاليا في المال القطري فرصة للتخفيف من الركود الاقتصادي الذي شهدته في السنوات الأخيرة.
ووفقًا لـ “ذا ناشيونال” إغواء قطر لأحد الاقتصادات الأضعف في الاتحاد الأوروبي يخدمها في محاولات تجاوز عزلتها وإيطاليا تستفيد ماديًا، فقبل ثمانية أسابيع فقط، أعلنت الدوحة عن صفقة بقيمة خمسة مليارات يورو لشراء خمس سفن حربية من إيطاليا.
وللمداراة على الأسئلة عن ارتباط قطر بالمجموعات الإرهابية تتبرع الدوحة بسخاء لبناء المدارس والمستشفيات لتلميع صورتها أمام الأحزاب السياسية في روما.
ولا يبدو أن الكثيرين يهتمون بتورط قطر في دعم التطرف، ولا يسألون كثيرًا عن سبب هذا الكرم المفاجئ باستثناء أصوات قليلة؛ حيث يقول باولو غريمولدي، النائب البرلماني “في أعقاب القرارات السعودية والإماراتية بشأن قطر، يجب على إيطاليا وقف المال القطري، وطلب الشفافية من الدوحة بخصوص مصدر أموالها واتجاهات إنفاقها”، لكن لا يتجاوب معه أحد.
وبسبب تاريخ من الفضائح الحكومية، والخضوع للاحتلال أكثر من مرة، وتغيير الحكومات الدائم، تعلمت إيطاليا أن تكون ساخرة وانتهازية، وهو ما انعكس في سياستها الخارجية.
فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أقامت إيطاليا تقليديًا علاقات جيدة مع “الدول المارقة” في الشرق الأوسط.
ففي الثمانينات، على سبيل المثال، كانت الدولة الغربية الوحيدة التي حافظت على علاقاتها مع ليبيا وبعد ثورة 1979 في إيران، احتفظت إيطاليا بعلاقاتها مع طهران أحد أعظم أعداء أمريكا، واليوم قطر هي أحدث الدول المارقة التي قررت إيطاليا توثيق علاقاتها معها.
[/JUSTIFY]