تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم عن وجوب أداء الحقوق بين العباد, مذكراً أن الله أمرنا بعبادته وطاعة أوامره واجتناب نواهيه, وإعطاء كل ذي حقٍ حقّه, وكسب المال بالحلال, والصدق والأمانة في المعاملة بين الناس.
وقال في خطبة الجمعة, إن العبد مسؤول عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه, وعن علمه فيما فعل, وعن ماله من أين اكسبه وفيما أنفقه, وعن جسمه فيما أبلاه” رواه الترمذي.
وأوضح “القاسم” أن معاملة الناس بالمال ميزان الأخلاق وميدان المروءات, فمن عامل الناس بالمال وشهدوا له بالصدق والأمانة, فذلك دليل على وفور عقله وكمال ديانته, مبيناً أن حقوق العباد فيما بينهم مبنية على المشاحّة لذا نهى الله عباده أن يأكل بعضهم أموال بعض, لما في ذلك من إذكاء الشحناء والعداوات والبغضاء, قال سبحانه “ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل“.
وأضاف أن حرمة المال كحرمة الدماء والأعراض, والمعاملة بين الناس بالمال من أصول المباحات التي لا غنى عنها للناس في حياتهم, ولا يتم انتفاعهم واستمتاعهم بذلك إلا مع الصدق والأمانة, مذكراً أن للشيطان مداخل عديدة في معاملات الناس المالية ليوقعهم فيما حُرّم عليهم, وقد جاءت النصوص بالوعيد الشديد لمن وقع في شرك الشيطان, فأكل أموال الناس بالباطل بأي نوع من الأنواع.
وذكر أن الوضوح والبيان أصل في المعاملات بين الناس, ومن خالفها فباع لأخيه عيناً محرّمة أو باعه ما ليس ملكاً له, أو ما لا يمكنه قبضه والانتفاع به فقد وقع فيما نهي عنه.
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي أن المؤمنين لُحمة واحدة, ومما يفرّقهم التنافس المذموم في المال, فمن باع على أخيه أو سام على سومه, أو زاد عليه في ثمن سلعة لتفوته وهو غير راغب فها, فقد ارتكب محرّمًا, قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : “لا تحاسدوا ولا تناجشوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, ولا يبع بعضكم على بيع بعض”. رواه مسلم.
وقال: الله سبحانه عظيم, لا يُحلف باسمه إلا في أمر عظيم, والمؤمن يتنزّه عن الحلف في المعاملات, فمن حلف صادقاً على سلعة ليرغّب الناس في شرائها نزعة بركة ماله, لقوله عليه الصلاة والسلام: “الحلف منفقة للسلعة – أي مظنّة لرواجها – ممحقة للبركة” متفق عليه.
وأضاف “القاسم” أن الوفاء بالعقود وحفظ العهود وأداء ما تشارط الناس عليه من محاسن الدين التي أُمر بها لقوله جل وعلا: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ”, مبيناً أن حقوق الخلق مبنية على إعطاء كل ذي حق حقّه, وعلى منع من لا يستحق ما يطلبه, مبيناً أن دافع الرشوة وآخذها متعرّض للعنة الله, قال عبدالله بن عمرو: “لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الراشي والمرتشي” رواه الترمذي .
وأفاد أن من تولّى أمراً, أو تقلّد منصباً, أو انتُدب لجمع الصدقات الواجبة, فقبل هدايا الناس فهو غالٌّ, قال صلى الله عليه وسلم: “ما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من عملكم, وهذا أُهدي لي, أفلا قعُد في بيت أبيه وأمه فنظر : هل يُهدى له أم لا؟، فوالذي نفسُ محمدٍ بيده, لايغُلُّ أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه” متفق عليه .
وحثّ على الأمانة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم, ولعظم شأن الأمانة ورعاية حقّها فإنها تمثُل عند الصراط: لقوله عليه أفضل صلاة والسلام “تُرسل الأمانة والرحم, فتقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً” رواه مسلم .
وأشار إمام وخطيب بالمسجد النبوي، في بيان صدق المعاملة والأمانة بين الناس، إلى أن الناظر على أوقاف المسلمين إذا لم يتحرّ الأنفع لهم, أو أكل منها فوق ما جُعل له, أو حرم مستحقاً أو خالف شرط الواقفين, فقد ضيّع ما استؤمن عليه, مبيناً أن من لم يُنفّذ وصية مريضه أو ميّته أو أبطأ في إنفاذها أو خالف مقتضاها, أو أخفى منها ما ينقص حظّه, فقد قصّر فيما أوكل إليه, مضيفاً أن الوصيّ على اليتيم والضعفاء, إذا حاف عليهم, أو منعهم حقوقهم فهو ظالم لنفسه.
وشدد على أن للخرام حمى من المشتبهات, من جاوز الحمى خيف عليه الوقوع في الحرام, ومن اتقى الأمور المشتبهة واجتنبها, فقد حصّن عرضه وبرّأ دينه, بخلاف من وقع فيها, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده, وخرج من الدنيا وليس بينه وبين أحد من المسلمين خصومة في نفس أو مال.
ونبّه “القاسم” من خطر المال الحرام, موضحًا أنه وإن كثر فهو ممحوق البركة, جالب للشؤم والمصائب, مانع للسعادة, مُغضب للربّ, وإن رفع العبد يديه إلى السماء لا يستجاب دعاؤه, مذكّراً أن العاقل من وضع المال في يده ولم يجعله في قلبه, واتقى الله فيه.