إخبارية عفيف – سامي محمد:
فنّد الدكتور عبد العزيز الحميدي استاذ العقيدة بجامعة أم القرى المفاهيم عن كتاب «ملة ابراهيم» لأحد رموز التنظير المتطرف ابو محمد المقدسي والتي بنيت عليها بعض أفكار التطرف التي أصل وقعد لها بعض الشبان المسلمين بحماس وعاطفة دون تبصر وروية وحساب لعواقب الأمور.
واوضح في الحلقة الثالث لبرنامج «همومنا» الذي بثه التلفزيون السعودي تحت عنوان «الولاء والبراء» أن أدبيات الفكر المتطرف كتبها قليلو علم متبصر، وهذا كتاب «ملة ابراهيم» نموذج للعمل الذي يمثل تيارا فكريا ويتضح أنه عمل جماعة، مشيرا الى ان غرض الكتاب هو التهييج وإثارة عاطفة وحماس الشباب السعودي على وجهة الخصوص.
وحذر الحميدي من الاطروحات الفكرية التي تتخذ لبوسا إسلاميا وتستدل بالشريعة الإسلامية وقال : إذا أراد كل صاحب فكرة أو صاحب طرح فكري أو صاحب فتنة أن يؤثر في مجتمع ما فلا بد أن يدخل عليه من المدخل الفكري، ويختار القضية أو المنهجية التي يشترك في التأثر بها أفراد ذلك المجتمع، فلذلك مجتمعنا في هذه البلاد متدين بطبعه محب للإسلام معظم للدليل الشرعي، يتأثر إذا قيل قال الله تعالى, وقال الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا قيل قال الصحابي قال العالم فلان قال الكتاب الفلاني من الكتب المعلومة المعروفة يتأثر، إما تأثر كثير أو تأثر قليل فيدخل عليه دائماً من هذه المداخل ويدس في طياتها الأهداف الحقيقية لأصحاب ذلك التيار أو ذلك الفكر الذي يريدون إحداث فتنة ما في هذا المجتمع.
وشدد على أن نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم حذر قديما ونبه وخاف علينا من مثل هذه المداخل فقال صلى الله عليه وسلم (أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان يجادل بالقرآن ) فجعله من أخوف ما يخاف على الأمة المنافق الذي له أهداف باطنية خبيثة في إحداث الشرخ وزعزعة فكر ودين واعتقاد هذا المجتمع ويظهر أهداف أخرى ويستخدم مسمى الدين مسمى الدليل مسمى النصر مسمى الكتاب أقوال لبعض العلماء أقول لبعض الصحابة يجيد اختيارها وانتقاءها ليوظفها للهدف الذي يريد أن يصل إليه بعد ذلك».
واشار الحميدي أن ما يحدث ليس بيانا للشرح إنما عملية انتقائية ونوع من المكيافيلية -الغاية تبرر الوسيلة- وعلق قائلا « فلا مانع عنده أن يستخدم آيات القرآن الكريم في غير ما أنزلت إليه، ولو كان في ذلك مضادة لله ونفاق مع الله سبحانه وتعالى قبل أن يكون فيه مرآة للخلق وعليم اللسان يحسن الكلام يحسن الكتابة ويحسن التأليف ويجادل بالقرآن, فقد قال ابن القيم في هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام يجادل بالقرآن ولم يذكر أنه يجادل بالسنن ولذلك غرض، ولأن السنن وظيفتها سنة النبي عليه الصلاة والسلام توضح القرآن توضح عام القرآن وتخصصه وتبين مجمله وتقيد مطلقه وتبين بعض الأحيان ناسخه نحو ذلك من أمور فيحتاج إليها ليستعان بها على فهم مراد القرآن، وقد قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا جادلكم أهل البدع بالقرآن فجادلوهم بالسنن فإن القرآن حمال وجوه باعتباره عموميات وكليات يحتاج فيه إلى أمرين إلى السنة النبوية لتفسره وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في أول كتاب أو رسالة السنة له والسنة توضح القرآن وتفسره وتبينه ونحتاج أيضا إلى فهم الصحابة وتفسيرهم ولغة القرآن لغتهم وهم أهل اللغة وأهل التنزيل وعليهم نزل وهم أعرف بمواقعه ومراداته وناسخه ومنسوخه ممن جاء بعدهم ولو كان من التابعين من بعدهم، فضلا عمن يأتي اليوم ليوظف نصوص الشرع خصوصا القرآن الكريم في غير مرادها.
وضرب الحميدي في سياق حديثه مثال على كتاب «ملة إبراهيم» ل ( أبو محمد المقدسي) , وقال إن هذا الكتاب أنه لا يقف خلفه شخص واحد بقدر ما هو ربما تيار معين أو ربما هو أشد من ذلك لإحداث نوع من الغرضية المقصود بها بالذات بالتحديد المجتمع مجتمعنا السعودي الذي نحن جزء منه، والذي نحن نعيش فيه وشريحة الشباب على وجه الخصوص، نظرا لما طبع عليه الشباب من سرعة التأثر وكثرة الحماس، ولذلك الكتاب سلك مسلك معروف عند رواد الفكر ومتتبعي أنواع الأفكار وأنواع الفلسفات التي يقصد منها التأثير وهو ما يسمى بالتلقين في اللاشعور، وهذا يسلكه الكثير من الأذكياء خاصة الفلاسفة وهو أن يهيجك في البداية بما تحب أنت, أنت تحب نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام ولا يوجد مسلم ولو كان ضعيف الإسلام إلا إذا ذكر له الخليل إبراهيم عليه السلام أشرق وأشرقت نفسه وسر خاطره الخليل إبراهيم «واتخذ الله إبراهيم خليلا « وملة إبراهيم هي ملة الأنبياء جميعا، وإذا ذكر إبراهيم وذكر التوحيد وذكر صفاء الإسلام وذكرت ميراث الكتاب وجعل الله في ذريته النبوة وذكرت مكة وذكرت الكعبة وذكرت المناسك كلها مرتبطة بهذه الشخصية العظيمة الجليلة نبي الله إبراهيم فعندما يقال ملة إبراهيم ، ثم يوظف هذا الاسم وما جاء في القرآن من مدحه والثناء عليه وكلنا نؤمن بذلك ونصدقه في أبينا إبراهيم عليه السلام أبي الأنبياء وإمام الحنفاء عليه الصلاة السلام وخليل رب العالمين جل وعلا عليه الصلاة والسلام ونبينا محمد عليه الصلاة والسلام من ذريته وبُعث على ملته ولدعوته « وأوحينا إليك أن أتبع إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين» وقال الله تعالى في خاتمة سورة الحج «ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس» ثم يهيج المسلم في ذلك ملة إبراهيم، ثم يصاغ له أن ملة إبراهيم ضاعت وميراث الأنبياء بدد وتسلط عليه الكبراء وتسلط عليه الظالمون وميعوه، وهذا الكتاب وصاحبه أومن يقف جاءوا لإعادة الحق إلى نصابه ثم توظف كل النصوص في هذا الاتجاه ثم يهيج القارئ والسامع له حتى ينفتح اللاشعور عنده فيلقن الأهداف الحقيقية لا يلقن بها من بداية الكتاب، ولذلك وجهة نظري من خلال قراءة هذا الكتاب أن له هدفين .
واضاف « الهدف الأول الدعوة إلى ما سماه السرية وإعداد تنظيمات سرية والتخطيط والإعداد داخل المجتمعات المسلمة لإحداث الشرخ باعتبار أن كل المجتمع بجميع هيئاته وأقطابه من ولي أمره إلى علمائه وقضاته إلى أبيه وأمه هذا الذي يقرأ هذا الكتاب.
واوضح الحميدي انه يدعو إلى السرية، وقال «ولذلك عمر بن عبدالعزيز يقول تتبعوا حديث رسول الله كتب لأحد عماله أبو بكر بن حزم واجمعوه واكتبوه فإني خفت دروس العلم أي ذهابه وموت العلماء، علق البخاري رحمه الله هذا الإمام العظيم على أثر عمر بن عبدالله تعليقا عظيما قال وليفشوا العلم العلماء وليقعدوا -أي يقعدوا للناس ليعلموهم-، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا»، مشيرا الى أن هذه السرية و التخطيط استغلت داخل المجتمع هنا لإحداث الشرخ .
واضاف « في الخطوة الثانية كما نص عليها وهي الانقضاض على هذا المجتمع بفتنة وبقتل ابتداء حتى من الأب والأم الذي يرى من خلال الكتاب انه استطاع ان يهدر حقوقهم على الابن بهذا التهييج باسم ملة إبراهيم وأدخل الهدفين الخطيرين في ضمن هذا يسمونه في التلقين في اللاشعور».
وقال الحميدي أن الكتاب لا يراعي أولاً الأمانة في الاستدلال بالنصوص ولا حتى في الاستدلال بأقوال العلماء إنما يسلك مسلك الانتقائية وحتى المزاجية وإذا ما وجد في كلام العلماء ما يريد، تولى هو تفسير الأمور ولذلك لا تجد في كتابه نقل لتفاسير الصحابة لا تجد أي أثر لا لصحابي ولا لتابعي ولا لمترجم الأئمة في كتب العلم القديمة وإنما يختار من كلام العلماء كثيروا التأليف كابن القيم أو مقتطفات من بعض أئمة الدعوة
وبين الحميدي أن الكتاب يعتمد على الانتقائية ويختزلها ويجتزئها , مستدلا بنقل مقطع للإمام ابن القيم في كتاب بدائع الفوائد جزء (3) صفحة (69) ,حيث يقول صاحب كتاب ملة إبراهيم قال العلامة ابن القيم لما نهاهم أي الله عز وجل عن موالاة الكفار، ويريد الآن أن يفسر ما هي الموالاة في ملة إبراهيم وأنها العدائية التامة لكل شيء.
واشار الى ان محور الكتاب هي مسألة الولاء والبراء وإظهارها بأشد ما يمكن من عبارات ومواقف للكفر وأهله الذي رتب عليها أن هذا الكفر الأصلي الذي جاء إبراهيم لإبطاله كعبادة غير الله من الأوثان والأصنام وغيرها وإنما هو كفر المجتمعات الإسلامية التي نعيش فيها ، من حكومات وولاة أمر إلى الوالدين ليجعلها هي بمثابة كأنها أصنام قوم إبراهيم وأصنام التي يجب أن تكسر ويجب تهدم ولا يبقى إلا هذه الفئة التي تقبل مثل هذا الكلام وهو الهدف الحقيقي الذي أخفاه داخل مسمى ملة إبراهيم ووظف حتى ملة إبراهيم على هذا الهدف الخطير
واضاف الحميدي»ابن القيم يقول ابن القيم بحسب نقله لما نهاهم الله عن مولاة الكفار اقتضى ذلك معاداتهم والبراء منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال انتهى هكذا يقول صاحب هذا الكتاب أي كلام ابن القيم انتهى هذا من بدائع الفوائد جزء (3) صفحة (69) نرجع إلى الموضع الذي نقله».
ومضى الحميدي قائلا :إن معنى موالاة الكفار التي نهى الله عنها هي المعاداة الصريحة والبراءة والمجاهرة بالعدوان في كل حالة وفي أي وقت مع أي كافر، دون مراعاة أقسام الكفار، دون مراعاة معاهدات، دون مراعاة المصالح ، أوالقدرة والضعف.
و تطرق الى ما ذكره ابن القيم في تفسير قوله تعالى: « لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين» من سورة آل عمران ،حين قال « ومعلوم أن التقاة التي استثناها الله عز وجل ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار اقتضى ذلك معادتهم والبراء منهم ومجاهرتهم بالعدوان في كل حال , مشيرا الى أن الكاتب اختزل قول « إلا إذا خافوا من شرهم», فأباح لهم التقية وليست التقية بمولاتهم بشيء , لكي لاينقض تفسيراتها بالكتاب.
وتحدث الحميدي ان بعض المغالطات في الكتاب عند ما تحدث عن قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه لما تبين أن أباه أزر عدو لله تبرأ منه والتي ألغاه المؤلف بقوله» دعا إبراهيم أباه وقومه فلما أصروا على أصنامهم أعلن البراءة منهم وعداوتهم ابتداء من أبيه وقومه « , موضحا بعد الرجوع لحديث عبدالله بن العباس «فلما تبين له قال استغفر إبراهيم لأبيه استغفر له يعني طلب له المغفرة، فلما مات أبوه مشركا تبرأ منه فترك الاستغفار له .
واضاف الحميدي «ففي كلام ابن عباس قضيتان تنقض كلام صاحب الكتاب الأولي ان إبراهيم استمر متلطفا مع أبيه داعيا له إلى الإسلام، مستغفرا له بطلب المغفرة من الله يغفر لأبيه بأن يهديه للإسلام ,فلما مات أبوه تبين عند ذلك لإبراهيم أنه خلاص انتهى أمره لا رجاء مات مشركا مصرا على وثنيته فلا معنى للاستغفار له بعد ذلك، هنا تبرأ منه بمعنى أنه ترك الاستغفار له ورجاء هدايته .
وقال الحميدي أن الكاتب جعل المجتمعات المسلمة حكومات وقضاة وعلماء ومحاكم وأفراد و كل من يعيش في هذه الدولة الأصنام والطواغيت التي يجب عنده أن تعامل كما عامل إبراهيم أصنام قومه بالتحطيم والتكسير والإبادة والقتل ولو باستخدام السرية والتخطيط.
وبين الحميدي أن المؤلف استخدام قضية الولاء والبراء لأنها لها تعلقان تعلق شعوري بالنفس والقلب بحب الإنسان وبغضه وطاقة الحب وطاقة البغض من أعظم الطاقات وهي توجه الإنسان ربما حتى للحرب والقتال بدافع الحب أو بدافع , مشيرا الى ان الكاتب استخدم هذا المنهج لفكره الشخصي ليس لنصرة الإسلام واستخدم مدخل الخوارج
وقال الحميدي أن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال أن الخوارج هم شرار خلق الله في نفوسهم وفي أهدافهم , ينطلقون إلى آيات أنزلها الله في الكفار فيجعلونها على المسلمين
واوضح ان الفرق بين مفهوم الولاء والبراء في هذا الكتاب مفهوم الولاء والبراء وفق الشريعة الإسلامية كبير جدا وقال «قاعدة الولاء والبراء الشرعية لها جانبان، الجانب الأول أن يظهر المؤمن إسلامه وتوحيده وإنه لا يعبد إلا الله ولو غضب منه الكفار والمشركون هذا قاعدة أساسية، والأمر الثاني عدم الرضا والكفر بكل معبود سوى الله.
وقال أن مفهوم الكتاب عمد إلى آية واحدة في سورة الممتحنة وهي « قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله أي الأصنام والأوثان كفرنا بكم وبدأ بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحدة إلا قول إبراهيم لأبيه لاستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير» وأقام عليها وجوب أن يعلن الكفر في كل حال وكل وقت وبكر طريقة , بعد هذه الأية تم التفصيل في أحكام الموالاة ووتصنيف الكفار والتي ألغى المؤلف كل هذا ,لاسيما في قوله تعالى «ربنا عليك توكلنا وإليك المصير» وبعد هذه الآية مباشرة قال الله تعالى «عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم» .
وقال الحميدي «كل مسلم شهد أن لا إله إلا الله وقام بفرائض الله له حظ ونصيب له حظ عظيم ونصيب عظيم قاتل أو لم يقاتل حارب أو لم يحارب جاهد أو لم يجاهد وقول الله تعالى،» لا يستوي القاعدون من المؤمنين»لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين لدرجة وكلا وعد الله الحسنى» القاعدون من المؤمنين سماهم مؤمنون مع أنهم قاعدون , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «مَن أمن بالله ورسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة جاهد في سبيل الله أو قعد في بيته أو قال قاعد في أرضه التي ولد فيها» .