إخبارية عفيف – محمد العتيبي :
توافدت جموع من حجاج بيت الله الحرام منذ وقت مبكر اليوم إلى مسجد نمرة لأداء صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا اقتداءً بسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، والاستماع لخطبة عرفة. وقد امتلأت جنبات المسجد الذي تبلغ مساحته 110 آلاف متر مربع، والساحات المحيطة به التي تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع بضيوف الرحمن. وتقدم المصلين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، فيما أمّ المصلين سماحة مفتى عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ. وأوضح فضيلة المفتي في خطبته أن الإسلام دين رحمة وتسامح، ونبذ للشدة والعنف بجميع صوره. وقال إن الإسلام حرّم الدماء المعصومة بغير حق، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة)، وحرّم الإسلام الإرهاب بجميع صوره، ودعا إلى مجتمع آمن مطمئن، يعيش في ظله الجميع، بعيدين عن الحروب والفتن، فبالأمر يحج بيت الله الحرام، وبالأمر تعمر المساجد، وبالأمر ينتصف للمظلوم من الظالم.
وبيّن سماحته أن من أسباب الأمن الاستقرار السياسي، حيث أمر الشرع بطاعة ولي الأمر والالتفات معه، وحذّر من عصيانه والخروج عليه، ورغب الإمام في شأن الرعية بالعدل بينهم، وسياسته بالحق. وقال فضيلة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ «إن من خصائص الإسلام العامة أنه رسالة عالمية لجميع الخلق، ودعوته لجميع الناس في كل الأزمان».
وأضاف ?إن دين الإسلام جاء لتكريم ذلك الإنسان الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، ونفخ فيه من روحه، وحفظ عقيدته، وعرضه، وماله، وعقله، وحقوقه مهما كان جنسه وعرقه، ومهما كان عالِمًا أو جاهلاً، حضريًّا أو بدويًّا، ونهى عن الاعتداء عليه من أي أنواع الاعتداءات، مؤكدًا أن هذا خلاف الأنظمة البشرية التي جاءت للمحافظة على حقوق الأغنياء الأقوياء، وإجحاف حق الفقراء، حيث إن قوانين هذه الأنظمة حبر على ورق، تكيل بمكيالين، تجعل للقوي الحق في الاعتراض والنقض على كل قرار يختلف مع مصالحهم?.
وقال «هؤلاء المستضعفون اُحتلّت بلادهم، وشُردوا من أراضيهم، وهُدّمت البيوت على رؤوسهم، وقُتل الأبرياء، واُنتهكت أعراض النساء، وحصل اختلال في الأمن، ودُكّت بينهم الحروب الطائفية والحزبية، والأسلحة بينهم حتى قتل بعضهم بعضًا، ووضعت الدساتير والقوانين لتبرر تلك الجرائم، وتفعل تلك الجرائم على مسمع ومرأى ممّن يدّعون حقوق الإنسان، فأين حقوق الإنسان من هذه الجرائم؟ لا أحد يحرّك ساكنًا، ولا يجرّم مجرمًا، بل لو أحد نادى بحقوق بلاده لجُرّم، وعُوقب، ولاُتّخذ قرار ضد المجرم حياءً ولا مضض، ولأصبح أدراج الرياح» مؤكدًا أن الإسلام لا يعرف الزيف، ولا المعايير؛ لأنه كما يحرّم الإرهاب ويجرّم الإرهاب والإخلال بالآمنين، فإنه أيضًا يحرّم احتلال البلاد، وظلم العباد، ويدعو إلى أن القتال لا يعالج بالقتل، ولا يعالج بالعنف.
وأضاف إنه ما اجتمع المسلمون، وعظم شأنهم إلاّ لمّا كانت العقيدة قوية في نفوسهم، وما تفرّقوا، وما ضعفوا إلاّ لمّا ضعف تمسّكهم بهذه العقيدة السليمة، مشيرًا إلى أن الإسلام لم يقتصر على العقيدة وحدها، ولا على الجانب النظري فحسب، بل أضاف إلى العقيدة أحكامًا عملية، ووضع منهجًا للمسلم ليشمل العبادات، والمعاملات، والأسرة، والجنايات، والأخلاق والسلوك، والاجتماع، مفيدًا أن من الأحكام العملية التي نهجها الله للمسلم هي العبادات التي تنظم علاقة العبد بربه.
وأكد أن الإرهاب يقطع بنفي الغلو مهما كان مصدره، مشددًا على أهمية قطع الأسباب التي تمده، ورفع الظلم عن المستضعفين، والمسلمين، ومعاقبة المجرمين أفرادًا أو جماعات.
وقال «إن دين الإسلام جاء بارتباط العقل بالعمل، وأن العمل والإيمان جزءان، وأن الإيمان مربوط بالعمل، وأنه يزيد بزيادته، وينقص بنقصانه، وأن أدلة الكتاب والسنة ربطت الإيمان بالعمل، فعلى المسلم أن يتقي الله، وينفذ فرائضه، ويؤدي واجباته، ويعرف حقوق الله، وحقوق عباده، وإن أغلى ما يملك المسلم في هذه الحياة هو إيمانه، ودينه، مطالبًا المسلمين بالاعتزاز بالشخصية الإسلامية».
وحذر سماحة مفتي عام المملكة من أن يخجل المسلم من إظهار دينه في أي مجتمع، وفي أي مكان، مطالبًا المسلمين بعدم الالتفات إلى مَن عطّلوا فرائض الله، وانساقوا وراء الفتن والمغريات، متسائلاً: أين ذهبت أمانتهم وخوفهم من الله، وهم يعطّلون فرائض الإسلام من صلاة، وزكاة، وصوم، وحج؟ وأين أمانتهم وهم ينتهكون حرمة الله، وتُرتكب الفواحش والمنكرات؟ وأين إيمانهم وهم يؤذون عباد الله، ويتركون كتاب الله؟ وأين إيمانهم وهم يعتدون على عباد الله، ويهينون كراماتهم، ويستحلون دماءهم وأموالهم؟ وأين إيمانهم بالله وهم ينشرون الإجرام والفساد في المجتمع والوطن؟ وأين الإيمان بالله وهم أمطية لأعدائهم ينفذون عليهم أغراضهم المشينة، ومخططاتهم الناكرة، فيخلّوا بأمنهم، وتُدمر ممتلكات البلاد، وتُسفك دماء الأبرياء؟ وأين الأمانة وهي يرتكبون الخطأ بالخيانة العظمى في الدِّين، وتشكك في ثوابته، ويبعد الناس عن الانتفاع به، وتحطم شرائعه ومعالمه؟ هل هذا من الإيمان؟ وأين الأمانة وهم يشيعون الفساد، ويسعون في شباب الأمة بالمحطات الفاسدة، والقنوات الهابطة التي تشكك في الدّين والعقيدة؟ وأين إسلامهم وهم يأكلون الربا الذي حرّمه الله، وتوعد بالوعيد الشديد، مؤكدًا أن هذه أمور محرّمة في شرع الله، ويجب أن يتّقي المسلم الله في نفسه.
وبيّن سماحته أن من معالم الوسطية أنها وسط في التحليل والتحريم، وبين مَن غلوا في التحريم مطلقًا حتى حرّموا على أنفسهم ما أحل الله لهم، وبين مَن غلوا في الإباحة المطلقة، حيث جاءت الشريعة وسطية عدل أباحت الطيبات، وحرّمت الخبائث، وكل أمر ضار، وحددت علاقة الرجل بربه، وبنفسه، وبالمجتمع عمومًا. وبيّن سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ أن من مظاهر هذه الشريعة أنها عالمية في العقيدة، ووصفت الله بأنه رب العالمين، ودعت إلى توحيد الله في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، والإيمان بجميع الرسل، والإيمان بوحدة العقيدة، وقد دخل من ضمن هذه العقيدة شعوب وأقوام على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، وأنه بالإيمان تكوّنت أمة واحدة في غاية الرقي، بعيدة عن الوثنية وعبادة غير الله والظلم والفساد.